ليس كما تزعمون أنّ الغنى دليل كرامة الفرد عند الله ، وأنّ الفقر دليل هوانه ، إنّما هما ابتلاء وفتنة.
(بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)
وهذا عاقبة المجتمع المادي المرتكس في أوحال المادة وعبادة الثروة وإكرام الغني لغناه .. فهل هذه العاقبة تنسجم مع العاطفة الإنسانية ، وهل يقبلها وجدان بشر أنّى كان؟ كلّا .. إنّ بني آدم مفطورون على العطف على الضعيف ، وبالذات الطفل الذي يفيض براءة وطيبا ، وإذا كان الطفل يتيما لا يملك قوّة ذاتية يدفع عن نفسه الأخطار والأطماع ، ولا حاميا يقيه الشرور ، ولم يحظ بالقدر الكافي من العطف الأبوي ـ إنّه يذيب القلب حنانا ـ فما أقسى قلب من يهينه ويجافيه؟
كلّ ذي وجدان يحكم بأنّ المجتمع الذي يقسوا على اليتيم مجتمع ممسوخ منكوس ، وأنّ قيمه باطلة ونظامه فاسد.
وذلك مقياس سليم وفطري يبيّنه القرآن في المعرفة ، حيث أنّه يدلّنا على عاقبة النظام لمعرفة صلاحه أو فساده ، فإنّنا لا نستطيع أن نحكم على نظام اجتماعيّ بادّعاءاته أو شعاراته ، ولكن نحكم عليه بعاقبته ، فإن وافقت وجداننا الإنساني وانتهى إلى حماية الضعيف وإكرام اليتيم والإنفاق على المحتاج وما أشبه نعرف صلاحه.
وهكذا بالنسبة إلى كلّ شيء لا تدرس بدايته بل راقب نهايته وعاقبته ، حتى تعرف طبيعته.
(١٨) في المجتمع الجاهلي حيث يصبح المال قيمة يعيش المعدمون الذين أسكنتهم الفاقة في عناء كبير ، إذ لا يشجّع الناس بعضهم للاعتناء بهم.