كيف يرغّبه في النظر إلى تلك الحقائق المألوفة حوله والتي يغفل عادة عن غيبها ودلالاتها البعيدة ، فيقول :
(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)
فإذا نظروا تماوجت بحار المعرفة أمام أنظارهم. حقّا : إنّ هذه الإبل التي اندمجت بحياتهم حتى جعلت حياتهم وإيّاها نسيجا واحدا ، وابتدعوا لها ألف اسم يصفون فيه كل مراحل وجودها وأغلب صفاتها وحالاتها ، وربما لم يبتدعوا للإنسان مثل هذا العدد من الأسماء .. هذه الإبل التي يمتطون ظهرها ، ويشربون لبنها ، ويأكلون لحمها ، ويتداوون ببولها ، ويصنعون من أشعارها وأوبارها بيوتا خفيفة وثيابا وزينة. أفلا ينظرون إليها ليعرفوا كيف خلقت لتكمّل حياتهم خصوصا في تلك الصحاري القاحلة؟
إنّها من أصعب الحيوانات مراسا وقدرة على تحمّل المشاق. إنّها تحمل أثقالا عظيمة ، وتخوض غمار البراري القفر ، وتصبر أيّاما عديدة ربما بلغت أسبوعا أو عشرة أيّام بلا زاد ولا شراب ، وتتحدّى الأعاصير الرملية بما خلق فيها من قدرة ومن أهداب لمقاومتها!
إنّ أرجلها المفلطحة تستطيع أن تطفو على الرمال الرخوة حتى سمّيت بسفينة الصحراء.
ثم تراها تقتات الأشواك الحادّة ، وتختزنها لحين اجترارها في الوقت المناسب ، كما تختزن الماء لفترات طويلة. من الذي خلقها بهذه الطريقة العجيبة؟
ومع ضخامة جثتها ، وعظم قدرتها ، تراها خاضعة للإنسان الضعيف أليفة وديعة ، حتى حكيت قصة الفارة التي سحبت حبل بعير ، فتبعها ظنّا منه أنّها