تربّني ، وليتني علمت أمن أهل السعادة جعلتني وبقربك وجوارك خصصتني فتقر بذلك عيني وتطمئنّ له نفسي» (١)
(٢٨) فإذا جاءه النداء الإلهي عند وفاته : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) استراح ، وشملته البشرى ، وعمّه الفرح .. هنالك يستطيب الموت لأنّه عودة العبد الكريم إلى الربّ الرحيم الذي يستضيفه بالقول :
(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً)
لقد اطمأنت أنفسهم إلى بارئها ، وتوكّلوا على الله ، وسلّموا لقدره وقضائه ، ولم يبطرهم الغنى ، وما اعتبروه صكّ الغفران ، ولم يهزمهم الفقر ، وما اعتبروه لعنة إلهية .. لذلك فإنّ الله يرضيهم بنعيم الأبد ، وينبّؤهم بأنّهم مرضيّون ، وما أحلى ساعة اللقاء بحبيبهم وأنيسهم ، وما أروع كلمات الودّ المتبادلة ، جاء في الحديث القدسي عن الله عزّ وجلّ أنّه قال في حقّ الزاهدين وأهل الخير وأهل الاخرة : «فو عزّتي وجلالي لأحيينّهم حياة طيّبة إذا فارقت أرواحهم أجسادهم ، لا أسلط عليهم ملك الموت ، ولا يلي قبض روحهم غيري ، ولأفتحنّ لروحهم أبواب السماء كلّها ، ولأرفعنّ الحجب كلّها دوني ، ولامرنّ الجنان فلتزيّننّ ، والحور فلتزفّنّ ، والملائكة فلتصلّينّ ، والأشجار فلتثمرنّ ، وثمار الجنة فلتدلّينّ ، ولامرنّ ريحا من الرياح التي تحت العرش فلتحملنّ جبالا من الكافور والمسك الأذفر فلتصيرنّ وقودا من غير النار فلتدخلنّ به ولا يكون بيني وبين روحه ستر فأقول له عند قبض روحه : مرحبا وأهلا بقدومك عليّ ، اصعد بالكرامة والبشرى ، والرّحمة والرضوان ، وجنّات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبدا ، إنّ الله عنده أجر عظيم ، فلو رأيت الملائكة كيف يأخذ بها واحد ويعطيها الاخر!» (٢)
__________________
(١) مفاتيح الجنان / مناجاة الخائفين.
(٢) كلمة الله / المؤلف السيد حسن الشيرازي ص ٣٦٩.