وجاء في نفس الحديث : «وإذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة بيد كلّ ملك كأس من ماء الكوثر وكأس من الخمر ، يسقون روحه حتّى تذهب سكرته ومرارته ، ويبشّرونه بالبشارة العظمى ، ويقولون له : طبت وطاب مثواك ، إنّك تقدم على العزيز الحكيم ، الحبيب القريب ، فتطير الروح من أيدي الملائكة فتصعد إلى الله تعالى في أسرع (من) طرفة عين ، ولا يبقى حجاب ولا ستر بينها وبين الله تعالى ، والله عزّ وجلّ إليها مشتاق ، وتجلس على عين عند العرش ، ثمّ يقال لها : كيف تركت الدنيا؟ فتقول : إلهي وعزّتك وجلالك لا علم لي بالدنيا ، أنا منذ خلقتني خائفة منك ، فيقول الله تعالى : صدقت يا عبدي ، كنت بجسدك في الدنيا وروحك معي ، فأنت بعيني ، سرّك وعلانيتك ، سل أعطك ، وتمنّ عليّ فأكرمك ، هذه جنتي فتجنّح فيها ، وهذا جواري فاسكنه ، فتقول الروح : إلهي عرّفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك ، وعزّتك وجلالك لو كان رضاك في أن أقطع إربا إربا ، وأقتل سبعين قتلة بأشدّ ما يقتل به الناس لكان رضاك أحبّ إليّ ، إلهي كيف أعجب بنفسي وأنا ذليل إن لم تكرمني ، وأنا مغلوب إن لم تنصرني ، وأنا ضعيف إن لم تقوّني ، وأنا ميّت إن لم تحيني بذكرك ، ولو لا سترك لافتضحت أوّل مرّة عصيتك ، إلهي كيف لا أرضيك وقد أكملت عقلي حتى عرفتك ، وعرفت الحقّ من الباطل ، والأمر من النهي ، والعلم من الجهل ، والنور من الظلمة ، فقال الله عزّ وجلّ : وعزّتي وجلالي لا أحجب بيني وبينك في وقت من الأوقات ، كذلك أفعل بأحبّائي» (١).
(٢٩) ثم يدخل الله روح المؤمن بعد قبضها برضاه في حزبه المفلحين في عباده الصالحين حيث المؤانسة والصفاء.
__________________
(١) المصدر / ٣٧٥.