العقل الذي يتجلّى في المستقبل ، وعلم الله الذي يكشفه الوحي ، وأنّ الإنسان قد يعجز عن تمييز الأشياء بعقله ، بينما علم الله يجليه له تماما.
[٨ ـ ١٣] ويمضي بنا السياق إلى محور أساسي في السورة عند ما يبيّن الموقف السليم الذي يجب على القيادة الرسالية اتخاذه من قوى الضغط ، التي تحاول التأثير على القائد وتجيير قراراته ومواقفه في صالحها ، بتطويعه لخدمة أغراضها من حيث يدري أو لا يدري ، وعادة ما تكون تلك القوى من المترفين أصحاب المال والقدرة الاجتماعية أو السياسية أو هما معا في المجتمع.
ويتوجه الوحي بالنهي إلى القائد بالذات ، لأنّ قوى المترفين المستكبرة تسعى لإفساد المجتمع ونظامه السياسي ، من خلال إفساد جهازه الديني والسيطرة عليه ، لأنّ السيطرة عليه تجعلهم أسرع نفاذا في المجتمع ، كما توفّر لفسادهم غطاء شرعيا. وهم يتسللون إلى الجهاز الديني ويؤثّرون عليه بسلاح المال ، حيث يجعلونه يعتمد على أموالهم التي يقدمونها خمسا وزكاة وتبرّعا أو هدية ورشوة. وإنّ هذه الحقيقة تظهر بوضوح حينما ندرس مسيرة الجهاز الديني عبر التاريخ وفي كلّ المذاهب والأديان تقريبا ، فالقوى المترفة هي التي حوّلت الأحبار إلى جماعة يكنزون الذهب والفضة وأداة طيّعة في أيدي أصحاب المال والسلطة. كما أنّ التحليل المتأنّي لكثير من الصراعات التي كانت تدور بين القيادات الدينية والمترفين يؤكّد بأنّ سببها يكمن في رفض القيادات الدينية لهم ولسيطرتهم على الناس ، فهذا السامري ومن حوله بعض أصحاب المال في مجتمع بني إسرائيل يبغون على موسى ـ عليه السلام ـ لأنّه وقف ضد مطامعهم ومحاولاتهم الخبيثة في تطويع الدين لصالح شهواتهم وأهوائهم.
وموقف القرآن يبدو موقفا عنيفا وواضحا في تحذير الرسول