إلى قمّة التقدم الحضاري السامقة ، وينتصر على أعدائه الأقوياء والكثيرين وهو اليتيم العائل .. وما إلى ذلك من الأهداف العظيمة. كانوا يعدّونه مجنونا لأنّه يطلب المستحيل الذي لا يخطر ببال بشر ولا خياله ، ولكنّ القرآن جاء ونسف هذه المزاعم مؤكّدا بأنّ النبي يبلغ ما يريد بإذن الله ، كما قال في سورة الضحى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (١) وكما يقول في هذه السورة :
(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ)
أي غير مقطوع ، فهو أجر متواصل يزداد مع الزمن ، وما توسّع الأمّة التي بناها ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إلّا جزء من ذلك الأجر ودليلا عليه ، فكيف وفي الآخرة ما هو أعظم إذ يعطى من قبل الله الوسيلة والشفاعة وأعلى درجات الجنة والثواب؟ إنّ بلوغ الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أهدافه التي تراءت لهم بأنّها مستحيلة أوضح دليل على عقلانيته وسلامة رسالته التي حقّقت أهدافه باتباعها ، لأنّ وصول الإنسان إلى أهدافه يحتاج إلى معرفة بسنن الحياة وقوانينها.
وكلمة أخيرة نقولها في الآية هي : أنّ تأكيد الله للنبي وكلّ رسالي يتبعه بأنّ له أجرا غير ممنون يصنع في الإنسان المؤمن روح التعالي على إغراءات الدنيا التي يقدّمها الأعداء والتي قد يثني الافتتان بها الرساليين عن أهدافهم الربّانية فيداهنون فيها.
[٤] ثالثا : وآية أخرى لعظمة الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أخلاقه العظيمة التي فاق بها عظماء البشرية وهم النبيون والصديقون مما يكشف مدى كمال عقله وعظيم حلمه وواسع علمه ونفاذ بصيرته.
__________________
(١) الضحى / ٥.