ولعل السبب في إحساسه بالخوف منهم انه كان من عادة من يضمر شرا ألّا يأكل من بيت عدوه حتى لا يتصف بالغدر.
وهكذا قالوا : من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك.
(قالُوا لا تَخَفْ)
وما لبثوا أن بشّروه بتحقّق أمنيته التي كادت تخيب لكبر سنه. وقد جاءت البشارة بعد الخوف ليكون أبلغ أثرا وأحلى.
(وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)
ويبدو أن الغلام ليس مجرد الذكر من الأولاد ـ حسب بعض علماء اللغة ـ بل «يلحظ في المادة معنى أخص من النشاط لما هو أصل الحياة ، فيقال : غلم كفرح : هاج شهوة ، والغلمة : شهوة الضراب ، ومن هذا يطلق الغلام على الفتى الذكر الطار الشارب ، لاكتمال حيويته» (١).
وإذا صح هذا التفسير فقد بشرته الملائكة بولد ذكر ، يرعاه الرب حتى يبلغ أشدّه ، ولعل وصفه ب «عَلِيمٍ» يدل على ذلك ، إذ من المعروف أن الغلام لم يولد عليما ، بل نمى حتى أضحى كذلك عند ما أصبح غلاما.
يا لها من بشارة كبري لمن بلغ من العمر عتيّا ، وحسب التوراة ، وبعض المفسرين : كان قد جاوز سنة المائة ، أما زوجته سارة فقد بلغت التسعين.
انه قد قضى عمرا ممتدا ، يدعو إلى ربه ولم يؤمن به إلّا قليل ، والآن حيث يكاد يودع الحياة لا يفكر إلّا فيمن يحمل مشعل الدعوة ، ويحقق آمال داعية التوحيد
__________________
(١) معجم ألفاظ القرآن الكريم الصادر عن المجمع العلمي / ج ٢ / ص ٢٧٢.