ان ذلك حقيقة واقعية في الدنيا والآخرة ، ولكن الفرق بينهما اننا في الدنيا محجوبون عن رؤية تلك الآثار بوضوح كاف ، أمّا في الآخرة فيكشف عنا الغطاء فاذا ببصرنا حديد ، وحتى في الدنيا لو تطور علمنا باتجاه اليقين لتكشف لنا الكثير من الحقائق المغيبة.
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ)
ويجرون الى النار حيث يعذبهم ملائكة شداد غلاظ والناصية هي مقدمة الرأس ، وهذا العذاب جزاء تكذيبهم بالحقائق الربانية والآيات الدالة عليها ومن بينها النار ، فلم يحتسبوا انهم مواقعوها فيستعدوا ، ويعملوا للخلاص من حرّها ، فوقعوا فيها ، وربنا يحذرنا من التكذيب بها.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
[٤٣ ـ ٤٥] والآيات السابقة تشير الى امكانية تعاون الجن والانس في المعصية والتكذيب ، وهذا امر واقعي ، لأن أبالسة الجن من المكذبين بالله هم الذين يوسوسون في صدور الناس ، ويثيرون في البشر عوامل المعصية والانحراف ، لذلك أمرنا الله بالاستعاذة (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (١) ، بل قد يصل التعاضد بينهما على التكذيب الى الحد المادي ، قال تعالى حاكيا عن الجن : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً* وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً* وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) (٢) والشعوذة والسحر القائمان على التكذيب بالله وبآياته هما من ور التعاون بين الاثنين.
__________________
(١) الناس / ٤ ـ ٥
(٢) الجن / ٥ ـ ٧