(فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)
وهذه الآية تدلّ على المعنى المتقدم لكلمة «ازدجر» ، إذ لو لا دعاؤه لتأثّر بزجرهم نفسيّا ، أو صار ضحية له ، كما تدل على أنّ نوحا ـ عليه السلام ـ وصل إلى حدّ اليأس من قومه ، قال الرازي : إنّ الرسول لا يدعو هذا الدعاء ما دام فيه نفس احتمال ، وما دام الايمان منهم محتملا ، واستجاب ربنا دعاء نبيه ، ففتح السماء ماء منهمرا ، وفجّر الأرض عيونا ، فنصره وأهلك الكافرين.
وبنظرة شاملة ودقيقة إلى القصة التي يعرضها القرآن في ثلاثة فصول ، يحدّثنا في الأوّل عن معاناة نوح مع قومه ، وفي الثاني عن دعائه الذي يلخّص موقفه منها ، وفي الثالث عن عذاب الله لقومه الكافرين ، نكتشف حقيقة هامّة هي أنّ دعاء المؤمنين بالنصر لا يستجاب إلّا إذا تحرّكوا في سبيل الله ، وإلى تحقيق النصر بأقصى ما يمكنهم معنويّا وماديّا. إنّ الله كان قادرا على نصر نوح من أوّل لحظة كذّبوه فيها ، ولكنّه تركه يدعوهم جيلا بعد جيل (٩٥٠ عاما) حملت في أحشائها ألوان الأذى والابتلاء ، فكان يعده ثمّ يؤخّر عنه النصر مرة بعد أخرى إتماما للحجّة على الناس.
وفي سورة نوح استشهاد مفصّل بدعاء نوح (ع) يكشف عن عمق المعاناة التي واجهها ، ويسلّط الضوء على كثير من الأفكار المتقدّمة ، ولكنّه هنا يختصر الحديث اعتمادا على تفصيله في مواضع أخرى ، ويقول :
(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)
قال الامام الصادق (ع) : «لمّا أراد الله عزّ وجلّ هلاك قوم نوح (وذكر حديثا طويلا ، ثمّ قال :) فصاحت امرأته لمّا فار التنّور ، فجاء نوح إلى التنّور فوضع عليها طينا وختمه حتى أدخل جميع الحيوان في السفينة ، ثم جاء إلى التنور ففضّ