[٩ ـ ١٢] ثم انّ التكذيب بالرسالة أمر طبيعي واجهه كلّ الأنبياء السابقين.
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا)
التكذيب الأوّل بالآيات والرسالة ، والتكذيب الثاني بنبوّته (ع) ، ولم يقفوا عند حدّ التكذيب وحسب بل سعوا إلى النيل من سمعته.
(وَقالُوا مَجْنُونٌ)
لإصراره على الحق ، واستبساله في الدعوة ، بالرغم من تكذيبهم ، فهو في نظرهم يطلب المستحيل اللّامعقول ، وحيث وجدوا فيه الشجاعة التي تحدّى بها ثقافاتهم وعاداتهم ولم يريدوا الاعتراف له بهذه الايجابية ، حوّروها إلى الجنون حتى يصنعوا بينه وبين الناس حجابا يمنعهم من التأثّر به ، وهذه من طبيعة الطغاة ، فهم اليوم يسمّون الأصالة تطرّفا ، والجهاد في سبيل الله إرهابا ، وعلى المؤمنين أن لا يهزمهم الاعلام المضاد فهم امتداد لخط الأنبياء ، وهم على حق ، وعليهم أن يتحمّلوا ما تحمّل الرسل من أذى في سبيله ، فهذا شيخ الأنبياء نوح (ع) يزجره قومه قصد ثنية عن رسالته والاساءة إليه.
(وَازْدُجِرَ)
وهذه الكلمة هي تلخيص لمجمل ما تعرّض له نوح ـ عليه السلام ـ من البلاء والإيذاء ، وهي ليست معطوفة على «مَجْنُونٌ» ممّا يجعلها داخلة في جملة القول ، بل معطوفة على «فَكَذَّبُوا» كما يبدو ، فهم كذّبوه نفسيّا ، وسعوا في تشوية سمعته بألسنتهم وما أمكنهم من وسائل الاعلام ، وآذوه فعلا ، وإنّما استفتح السياق بذكر نوح بين الأنبياء لأنّه أشدّهم ابتلاء بسبب الاعراض عنه فقد لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم فيعرضون عنه.