الضمير المفرد يستخدمه الله في موضع إثبات التوحيد وتأكيده ، أو في مجال الرحمة والعطف ، والحال أنّ هؤلاء تكبّروا عن الحق ، وتولّوا معرضين عنه ، فالمقام مقام التعالي والتكبّر عليهم ممّا يتناسب واستعمال ضمير التعظيم (أو ما يسمّى بضمير الجمع) ، ذلك لأنّ إعراضهم لا ينال شيئا من عظمة الله ، كما أنّ إيمان المؤمنين لا يزيده سبحانه شيئا. وسمّى القرآن هنا بالذكر لأنّه في مقام علاج العقائد ، وهي قضايا وجدانية ، ولفظ الذكر بما يحويه من إيحاءات وإشارات لعلاقة القرآن بالفطرة البشرية أخدم للمعنى من غيره في هذا الموضع.
كما تنطوي نهاية الآية : «إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا» على فكرتين مهمّتين :
الأولى : إنّ المؤمن يفترق عن الكافر والمشرك في قضية أساسية هي أنّ الأوّل يريد الدنيا والآخرة ، ويسعى لهما معا ، موفّقا بين الحق الذي يجب عليه الالتزام به ، وبين نصيبه الذي أحلّ الله له من الدنيا.
والثانية : إنّ على المؤمن أن لا يضعف أمام أعداء الله أو يتملّق إليهم لأنّهم ظفروا بشيء من حطام الدنيا ، فذلك حظّهم ، بل يجب عليه أن يستمسك برسالته ، ويتصلّب في ولائه للحق ، ويعرض عنهم ، لأنّهم لا يملكون إلّا هذه الدنيا الزائلة.
[٣٠] وإنّ عدم إرادة المعرضين عن الذكر للحياة الآخرة ليس ناشئا من حسن اختيارهم ، وإنّما لجهلهم بتلك الحياة وما فيها من الثواب ، ولو علموا يقينا ما فيها من الفوز لأرادوها واشتدّت فاقتهم إليها ، وعظمت رغبتهم فيها ، ولكنّهم حصروا أنفسهم وحبسوا عقولهم في سجن الدنيا ، وهذه من معضلات الإنسان أنّه يصنع لنفسه سقفا من العلم ، ويكبّل عقله بأغلال الهوى وإصر الشهوات عن الانطلاق في رحاب العلم والحق ، وصدق الإمام علي (ع) حيث قال : «كم من عقل أسير تحت