أنانيته وشهواته ، حتى لا يرى إلّا نفسه وما يخدمها مباشرة ، ويبلغ به حبّ الذات حدّ العبادة ، إذ يجعل ما تشتهيه نفسه شرعا يلتزم به ، وحينئذ يسجن في زنزانة نفسه ، ولا يؤمن بغيرها ، ولا يقدر أن يسمو بها إلى حالة الايمان بربّ العالمين.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)
لماذا يقول ربّنا : «أَفَرَأَيْتَ» ولا يخاطب من اتبع هواه مباشرة؟
والجواب :
أوّلا : لأنّ مثل هذا الإنسان ليس من السهولة أن يميّز خطأه ، بل هو كالميّت لا يستحقّ خطابا.
ثانيا : لكي يتخذ المخاطب حذره ، فلا يقع فيما وقع فيه عابد هواه ، ويتعلّم عبادة ربّه من عابد هواه ، كما قيل لذلك الحكيم : من أين تعلّمت الأدب؟ قال : ممّن لا أدب له ، عمل ما ساءني فلم أعمل مثله؟ كذلك يكفينا عبرة النظر إلى عاقبة من يعبد هواه ، فلا ندع شهواتنا الطاغية تستدرجنا إلى هذا المصير ، بل نعتبر الهوى أشدّ أعدائنا ، ونعتبر الوقوف أمامه شجاعة بالغة .. على أنّ أكثر الناس يطيعون أهواءهم بقدر معيّن ، إلّا أنّ من يتخذ هواه إلهه عبرة لهم ، ليعرفوا عاقبة الاسترسال مع الهوى.
(وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ)
إنّه ما أضلّهم إلّا من بعد أن أعطاهم العلم ، فاختلفوا بغيا بينهم ، وقيل على علم من الله أنّه يستحق الإضلال بسبب جحوده بعد اليقين ، وكفرانه بنعمة الهدى ، ويكون كلا التفسيران إلى معنى واحد.