من كرامته وهي أعز من جسده ، ولأنه ليس في محضره فكأنه أكل لحمه بعد موته.
بالله ما أروع هذا التشبيه؟ وما أنفذه من تحذير في وجدان الإنسان الحر. وكيف يقرب كتاب ربنا الحقائق العظيمة الى وعينا ، وبهذه البلاغة النافذة .. وكيف يبصرنا بأن البشر ليس كسائر الأحياء يعيش حياة مادية ضمن حدود بدنه فحسب ، بل إنه يمتد مع سمعته وشهرته أنى توسعت في أفق المكان والزمان .. وقد يضحي الإنسان بجسده في سبيل كرامته ، أو لا يدل ذلك على أن كرامة الإنسان أعظم عنده من شخصه؟ من هنا فان الاعتداء عليها ليس بأقل من الاعتداء على بدنه .. والغيبة اعتداء سافر على كرامة الشخص فما أشدها حرمة؟
من هنا جاءت النصوص تترى في التحذير من الغيبة باعتبارها أكلا للحم المغتاب بعد موته.
روي أن ماعزا جاء الى النبي صلّى الله عليه وآله فشهد على نفسه بالزنا فرجمه رسول الله صلّى الله عليه وآله فسمع نبي الله رجلين من أصحابه يقول أحدهما للآخر : أنظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب ، فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال : أين فلان وفلان؟ فقالا : نحن ذا يا رسول الله. قال : انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار ، فقالا : يا نبي الله ومن يأكل من هذا؟ قال : فما نلتما من عرض أخيكما أشد من الأكل منه والذي نفسي بيده انه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها (١).
وروي عنه صلّى الله عليه وآله أنه قال : «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم». (٢)
__________________
(١) القرطبي / ج ١٦ / ص ٣٣٥
(٢) المصدر / ص ٣٣٦