(٨) ثم يتساءلون بحيرتهم.
(أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً)
هل ما يدعيه افتراء على الله؟! ثم عادوا الى وجدانهم فعرفوا أنّ الرسول لا يمكن ان يفتري على ربه الكذب ، وهو الصادق الأمين ، وقد بيّن بوضوح العقاب الذي ينتظر الذين يفترون على الله الكذب ، ثم إنّه أوّل المصدقين بالبعث ، والعاملين بما يستوجبه هذا التصديق. ألا يرون كيف يكاد يشقي نفسه بالعبادة حتى نزلت عليه الآية : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)؟! لذلك تراهم عادوا وأكّدوا انه ليس مفتريا ، ثم إنّهم بكفرهم قالوا فيه قولا كبيرا ، لأنّهم كانوا من المعاجزين الذين يعملون بجهدهم على مقاومة القرآن ، قالوا :
(أَمْ بِهِ جِنَّةٌ)
وهي الجنون ، ويجيب القرآن على هذه التساؤلات بأن المشكلة ليست في الحقائق التي يبينها الرسول ، ولا في أسلوبه ، حتى يتهم بالكذب تارة ، وبالجنون أخرى ، إنّما المشكلة في الكفّار أنفسهم ، ومشكلتهم هي ضيق الأفق فلا يستوعبون النشور بعد الموت ، والسبب كفرهم وعدم اتباعهم المنهج السليم الذي يقودهم إلى الحقائق.
(بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ)
قالوا : إنّ العذاب هنا يقابل افتراءهم على رسولهم بالكذب ، بينما الضلال يقابل نسبة الجنون عليه. (١)
__________________
(١) الرازي ـ التفسير الكبير.