الإنسان عن الكذب والتهمة ، وتدعوه للتثبت في منطقه ، كما تصلح سعيه في الحياة ، وتمحو اخطاءه ، ولان التقوى لا تتم الا بطاعة الله والقيادة الرسالية ، وجدنا الآية تصفها بالفوز العظيم.
وتختم السورة آياتها بالحديث عن امانة عرضها الرب على السموات والأرض والجبال ، فرفضتها خوفا من عدم تحملها ، وبالتالي من العذاب والغضب الإلهي المترتب على ذلك ، بينما تحملها الإنسان ، فخانها المنافقون والكفار بظلمهم وجهلهم ، فما هي هذه الامانة؟
من ناحية السياق ، جاءت الكلمة بعد الحديث عن الطاعة ، مما يوحي بأنها تعني الطاعة لله وللرسول ، وبالذات لرسول الله ، لما في طاعته من خروج من سجن الذات ، الأمر الذي يستصعبه البشر ، فقد يكون سهلا عليه الاستجابة للقيادة في الأمور العادية كالصلاة ، والزكاة ، والحج ، ولكن من الصعب عليه الخضوع لإنسان مثله في الظاهر لو نصبه الرسول قائدا له.
وهناك أقوال أخرى حول الامانة تبناها بعض المفسرين ، فقال بعضهم انها الامانة المتعارفة ، كما لو أعطاك شخص ما ماله لتحفظه له فان ذلك مما يصعب على الإنسان رعايته وأداؤه ، وقال آخرون : انها العقل والعلم والارادة والحرية ، ومثلوا على ذلك بان الله وهب العقل للإنسان من دون المخلوقات الاخرى كالحيوانات ، ووهبه الارادة والاختيار دون الملائكة الذين جردهم عن الشهوة الدافعة لهم باتجاه الشر والفساد ، وقد وصفهم عز وجل بقوله : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (١) وكل هذا صحيح ولكن التجربة الحقيقية للإنسان بعقله وعلمه واختياره انما تكون في طاعة الرسول بتمام المعنى ، التي تعتبر أصعب
__________________
(١) الأنبياء / (٢٦ ـ ٢٧).