الامة الاسلامية نصرا عزيزا ، وكانت في أيام نشأتها ، والله يذكرنا بهذه الغزوة حتى نستفيد عبرا منها ، ويذكرنا بالنصر تذكيرا للأمة بأن ميلادها كان رهين تلك الحروب وبأولئك الابطال الذين خاضوها ، وعلى سواعدهم جاء النصر ، ومع أن الامة واقع قائم الآن إلا انها لا تستطيع ان تنكر فضل أولئك الرواد الأوائل الذين ساهموا في صناعة الامة وحافظوا على كيانها ، لذلك يجب ان تبقى قصة غزوة الخندق وسائر الحروب التي شهدتها الامة في بداية انطلاقتها وفي أيام مخاضها راسخة في ذاكرة كل فرد من ابنائها ، والإنسان يتأثر بالتاريخ فهو ابن له ، وهو ينعكس عليه بصورة ما ، فاذا عرف تاريخه معرفة حسنة وسليمة ، وعرف محيطه بجميع أبعاده فان اخطاءه سوف تقل ، اما لو كانت رؤيته للتاريخ غامضة أو ناقصة فان حياته ستكون مليئة بالأخطاء ، ولذلك يذكر القرآن بهذه القصص والعبر التي خلفتها لنا أحداث التاريخ ، ونحن ـ بدورنا ـ نثبت هنا بعض ما جاء في السيرة من تاريخ الواقعة.
ذكر محمد بن كعب القرظي وغيره من أصحاب السير قالوا : كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن ابو الحقيق ، وحيي بن اخطب في جماعة من بني النضير الذين اجلاهم رسول الله (ص) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة ، فدعوهم الى حرب رسول الله (ص) وقالوا : إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم ، فقالت لهم قريش : يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول فديننا خير أم دين محمد ، قالوا : بل دينكم خير من دينه فأنتم أولى بالحق منه ، فهم الذين انزل الله فيهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) إلى قوله : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) فسرّ قريشا ما قالوا ، ونشطوا لما دعوهم اليه ، فأجمعوا لذلك واتعدوا له ، ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله (ص) واخبروهم انهم سيكونون معهم عليه (ص) وان قريشا قد بايعوهم