ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله ـ صلى الله عليه وآله ـ أفضل من بغض الدنيا ، وان لذلك لشعبا كثيرة ، وللمعاصي شعبا ، فأول ما عصى الله به الكبر ، وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين ، والحرص وهي معصية آدم وحوّا حين قال الله عز وجل لهما : «فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» فأخذا مالا حاجة بهما اليه ، فدخل ذلك على ذريتهما الى يوم القيامة ، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم مالا حاجة به اليه ، ثم الحسد ، وهي معصية ابن آدم حين حسد أخاه فقتله ، فتشعب من ذلك حب النساء ، وحب الدنيا ، وحب الرياسة ، وحب الراحة ، وحب الكلام ، وحب العلو والثروة ، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا ، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والدنيا دنيائان : دنيا بلاغ ودنيا ملعونة (٢٤)
(وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)
ان بعض الناس يتحدى الغرور الذي ينتابه بسبب حب الدنيا لأنه غرور مباشر ، أو لأنه لا يملك شيئا منها ، ولكنه يغوى عبر المغرورين بالدنيا ، مثل الملايين الذين تضلهم اليوم أجهزة إعلام المترفين ، فهم يخسرون آخرتهم ليحصل غيرهم على الدنيا ، فهم خسروا الدنيا والآخرة.
(٣٤) ولكي تترسخ دعائم الايمان بالله واليوم الآخر في النفس ، ويعلم البشر انه لا يملك مستقبله بل ولا حاضره ، فتطمئن نفسه الى قضاء الله ، ويصبر على بلائه ، ويشكر نعماءه وفي ذات الوقت يزداد إحساسا بمسؤوليته عن مساعيه ، من أجل ذلك وغيره ذكّرت الآية الأخيرة من هذه السورة بإحاطة قدرة الله وعلمه
__________________
(٢٤) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٢١٨).