فأجاب الصوت : إن خيّرني ربي قبلت العافية ، ولم اقبل البلاء ، وان هو عزم علي فسمعا وطاعة ، فاني اعلم انه ان فعل بي ذلك اعانني وعصمني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان؟ قال : لان الحكم أشد المنازل وآكدها ، يغشاه الظلم من كل مكان ، ان وفى فبالحرى ان ينجو ، وان اخطأ اخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريفا خير من أن يكون في الدنيا شريفا في الآخرة ذليلا ، ومن تخير الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فأعطي الحكمة ، فانتبه يتكلم بها ، ثم كان يوازر داود بحكمته ، فقال له داود : طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة ، وصرفت عنك البلوى» (١)
ويبين لنا الامام الصادق عليه السلام تفاصيل أخرى عن حياة لقمان ، والسبب الذي جعل به حكيما ، نثبت منه بعض النقاط العامة.
قال الامام الصادق (عليه السلام):
«اما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ، ولا مال ، ولا أهل ، ولا بسط في جسم ، ولا جمال ، ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله ، متورّعا في الله ، ساكتا ، مستكينا ، عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستغن بالعبر ، لم ينم نهارا قط ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره ، وعموق نظره ، وتحفظه في أمره ، ولم يضحك من شيء قط مخافة الإثم ، ولم يغضب قط ، ولم يمازح إنسانا قط ، ولم يفرح بشيء آتاه من أمر الدنيا ، ولا حزن منها على شيء قط ، وقد نكح من النساء وولد له من الأولاد الكثير ، وقدم أكثرهم إفراطا (٢) فما بكى على موت أحد منهم ، ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان الا أصلح
__________________
(١) نور الثقلين / ج (٤) / ص (١٩٦).
(٢) من أفرط فلان ولدا أي مات له ولد صغير قبل ان يبلغ.