لكن هذه النظرية الأخيرة
بالخصوص تعرّضت للنقض من قِبَل مستشرق آخر ـ تيودور نولدكه ـ حين رأى أنّ السين اليونانيّة تثبت عند التعريب سيناً ، ولا تقلب صاداً ، فكلمة (فيلوسوفيا) تصبح بالتعريب (فلسفة) لا (فلصفة) .
بينما ذهب أصحاب الرأي
الثاني إلى أنّ حركة الزهد والتصوّف الإسلامي كانت ثمرة طبيعية للمبادئ الأخلاقية التي رسمها القرآن الكريم للحياة البشرية وطبّقها الرسول الكريم وصحابته في حياتهم .
والحقّ أنّه ينبغي أن
يضاف إلى هذا ما كان للأوضاع السياسية من أثر كبير في لجوء الكثير من أهل العلم إلى طلب العزلة وحياة الزهد ، والذي يعدّ النواة الاُولى لحركة التصوّف في الإسلام.
وقد أشار الغزالي إلى
هذا إشارة واضحة في قوله : إنّه لمّا انقرض عهد الخلفاء الراشدين أفضت الخلافة إلى قومٍ تولّوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام ، فاضطرّوا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم ، وقد كان بقي من العلماء من هو مستمرّ على الطراز الأوّل وملازم صفو الدين ، فكانوا إذا طُلبوا هربوا وأعرضوا .
كما ساعد على نموّ التصوّف
اليأسُ الذي أصاب الناس من الحكومات المتعاقبة المتطاحنة ، والبعدُ عن حقيقة الفقه في الدين ، فدفعهم كلّ ذلك إلى الانزواء عن حياة يرونها مليئة بالمظالم والمفاسد ، مع غياب الأمل في
_____________