بخلاف المثال والبيت السابقين. وزعم ابن عصفور أن إعادة الجارّ مع «حتى» أحسن ، ولم يجعلها واجبة.
الثالث من أوجه «حتى» : أن تكون حرف ابتداء : أي حرفا تبتدأ بعده الجمل ، أي تستأنف ، فيدخل على الجملة الاسمية ، كقول جرير [من الطويل] :
١٩٥ ـ فما زالت القتلى تمجّ دماءها |
|
بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل |
وقال الفرزدق [من الطويل] :
______________________________________________________
جارة ومع إعادتها يرتفع احتمال كونها جارة ، إذ لا يدخل حرف جر على حرف جر (بخلاف المثال والبيت السابقين) ، إذ لا يصح فيهما حلول إلى محل حتى ، فلا يقال : عجبت من القوم إلى بنيهم ، وجود يمناك فاض في الخلق إلى بائس ، فلا احتمال فلا حاجة إلى إعادة الجار ، وهذا كما تراه دعوى عارية عن الدليل ، وأي مانع يمنع من كون العجب من القوم انتهى إلى بنيهم ، وفيض الجود في الخلق انتهى إلى البائس فيكون المحل صالحا لإلى فتأمله.
(وزعم ابن عصفور أن إعادة الجار مع حتى أحسن ، ولم يجعلها واجبة) ، ووجهه أن إعادة الجار إنما هو لرفع احتمال كونها جارة ، ولا يشترط في الكلام أن يكون نصا في المقصود بحيث ينتفي عنه الاحتمال.
(تنبيه العطف بحتى قليل ، وأهل الكوفة ينكرونه البتة ويحملون نحو جاء القوم حتى أبوك ، ورأيتهم حتى أباك ومررت بهم حتى أبيك ، على أن حتى فيه ابتدائية ، وأن ما بعدها على إضمار عامل) ، فالتقدير في الأول : جاء القوم حتى جاء أبوك ، وفي الثاني : رأيتهم حتى رأيت أباك ، وفي الثالث : مررت بهم حتى مررت بأبيك ، وفي الأخير حذف الجار وإبقاء عمله وهو شاذ.
(الثالث من أوجه حتى أن تكون حرف ابتداء أي : حرفا تبتدأ بعده الجمل أي : تستأنف) ولم يرد بكونها حرف ابتداء أنها حرف ، فيلزم وقوع المبتدأ والخبر بعده ، (فتدخل على الجمل الاسمية كقول جرير :
فما زالت القتلى تمج دماءها |
|
بدجلة حتى ماء دجلة أشكل) (١) |
تمج ترمي ودجلة بفتح الدال المهلمة وكسرها نهر بغداد ، والأشكل الذي فيه بياض وحمرة مختلطان وقول الفرزدق :
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٤٣ ، والأزهية ص ٢١٦ ، والجنى الداني ص ٥٥٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٧ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٧.