والثاني نحو : «زارك الناس حتّى الحجّامون» ، وقد اجتمعا في قوله [من الطويل] :
١٩٢ ـ قهرناكم ، حتّى الكماة ، فأنتم |
|
تهابوننا ، حتّى بنينا الأصاغرا |
الفرق الثاني : أنها لا تعطف الجمل ، وذلك لأن شرط معطوفها أن يكون جزءا مما قبلها أو كجزء منه ، كما قدمناه ، ولا يتأتّى ذلك إلا في المفردات. هذا هو الصحيح ، وزعم ابن السيّد في قول امرىء القيس [من الطويل] :
______________________________________________________
(والثاني نحو : زارك الناس حتى الحجامون) وكفى بنقص صناعتهم قوله عليه الصلاة والسّلام : «كسب الحجام خبيث» (١) (وقد اجتمعا في قوله :
قهرناكم حتى الكماة فأنتم |
|
لتخشوننا حتى بنينا الأصاغرا) (٢) |
الكمأة جمع كمى وهو الشجاع ، قال الجوهري : كأنهم جمعوا كاميا مثل قاض وقضاة ، وهذا غاية لما قبله في القوّة ، والبنون الأصاغر غاية لما قبله في الضعف.
(الفرق الثاني أنها لا تعطف الجمل وذلك ؛ لأن شرط معطوفها أن يكون جزءا مما قبلها أو كجزء منه كما قدمنا) أو يكون بعضا مما قبلها كما مر ، ولو عبر بهذا فقال : أن يكون بعضا أو كبعض لكان أولى ؛ لأن كونه بعضا أعم من كونه جزءا فيشمل الجزء كأكلت السمكة حتى رأسها ، أو غير الجزء نحو : قدم الحجاج حتى المشاة حيث لا يراد المجموع من حيث هو مجموع ، فإن المشاة بعض الحجاج وهو على ذلك التقدير جزئي لا جزء ، وإن ثبت أن أهل اللغة لا يفرقون بين البعض والجزء فالاقتصار على الجزء كاف بلا شك ، إلا أن المصنف لم يمش على ذلك فيما تقدم ، بل فرق بينهما ، (ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات) ، ولقائل أن يقول : لم لا يجوز في بعض الجمل أن يكون مضمون إحداها بعضا من مضمون أخرى ، كما تقول : أكرمت زيدا بما أقدر عليه حتى أقمت نفسي خادما له ، فإقامة نفسك خادما بعض من الإكرام بما تقدر عليه ، وكذا قولك : بخل علي زيد بكل شيء حتى منعني دانقا ، فمنع الدانق بعض من البخل بكل شيء ، وقد نص علماء المعاني في باب الفصل والوصل على أن الجملة الثانية قد تنزل بدل البعض من الأولى ، كقوله تعالى : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ١٣٢ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) (١٣٣) [الشعراء : ١٣٢ ـ ١٣٣] الآية ، (وهذا هو الصحيح ، وزعم ابن السيد) بكسر السين البطليوسي (في قول امرىء القيس :
__________________
(١) أخرجه مسلم ، كتاب المساقاة ، باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن (١٥٦٨) ، والترمذي ، كتاب البيوع عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، باب ما جاء في ثمن الكلب (١٢٧٥) ، وأبو داود ، كتاب البيوع ، باب في كسب الحجام (٣٤٢١) ، وأحمد (١٥٣٨٥).
(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٤٩ ، والدرر ٦ / ١٣٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٦.