السير محقق ، وإنما الشكّ في عين الفاعل وفي عين الزمان ، وأجاز الأخفش الرفع بعد النفي على أن يكون أصل الكلام إيجابا ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره ، لا على ما قبل «حتى» خاصة ، ولو عرضت هذه المسألة بهذا المعنى على سيبويه لم يمنع الرفع فيها ، وإنما منعه إذا كان النفي مسلّطا على السّبب خاصة ، وكل أحد يمنع ذلك ؛ والثالث أن يكون فضلة ، فلا يصح في نحو : «سيري حتى أدخلها» لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر ، ولا في نحو : «كان سيري حتّى أدخلها» إن قدّرت «كان» ناقصة ، فإن قدّرتها تامّة أو قلت : «سيري أمس حتى أدخلها» جاز الرفع ، إلا إن علّقت «أمس» بنفس السير ، لا باستقرار محذوف.
______________________________________________________
السير محقق) محكوم بحصوله غير مستفهم عنه ، (وإنما الشك في عين الفاعل) للسير في الصورة الأولى وهي قولك : أيهم سار حتى يدخلها ، (أو في عين الزمان) الذي وقع فيه السير في الصورة الثانية وهي قولك : متى سرت حتى تدخلها ، (وأجاز الأخفش الرفع بعد النفي على أن يكون أصل الكلام إيجابا ، ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره لا على ما قبل حتى خاصة) ، لكن الأخفش معترف بأن العرب لم تتكلم بذلك على ما نقله الرضي ، فكأنه إنما أجاز بالقياس لا بالسماع ، (ولو عرضت هذه المسألة بهذا المعنى على سيبويه لم يمنع الرفع فيها ، وإنما منعه إذا كان النفي مسلطا على السبب خاصة ، وكل أحد يمنع ذلك) ، ويظهر لي إجراء هذا في الاستفهام أيضا بأن يقدر أصل الكلام خاليا عن الاستفهام ، ثم أدخلت أداته على الكلام بأسره لا على ما قبل حتى خاصة ، كأن يقول شخص لآخر : سرت حتى تدخل البلد ، فتشك أنت في صدق المخبر ، فتقول لذلك المخاطب : هل سرت حتى تدخلها أي : هل ما أخبرك به هذا الشخص صحيح؟
(والثالث) من شروط رفع الفعل بعد حتى (أن يكون فضلة) لا عمدة (فلا يصح) الرفع (في نحو سيري حتى أدخلها ؛ لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر) وذلك ؛ لأنك إذا رفعت الفعل كانت حتى حرف ابتداء ، والجملة الواقعة بعدها مستأنفة فيلزم خلو المبتدأ عن الخبر ، ولقائل أن يقول : إن عنوا أن المبتدأ يبقى بلا خبر لفظا وتقديرا فممنوع ؛ إذ يمكن جعل الخبر مقدرا أي : سيري حاصل ، وإن عنوا بقاءه بلا خبر لفظا فمسلم ، ولا يضر ، وما أظنهم يمنعون المسألة إلا عند تقدير الخبر ، (ولا في نحو : كان سيري حتى أدخلها ، إن قدرت كان ناقصة) ؛ لأن الناقصة تقتضي خبرا ومع رفع الفعل تكون الجملة مستأنفة كما مر ، فتبقى كان الناقصة بغير خبر لفظا وتقديره يفسد معناها ، (فإن قدرتها تامة ، أو قلت : سيري أمس حتى أدخلها جاز الرفع) ، لأن التامة لا خبر لها وأمس خبر السير فارتفع المانع وهو بقاء الناقصة ، والمبتدأ بلا خبر (إلا إن علقت أمس بنفس السير لا باستقرار محذوف) فالمنع باق ؛ لبقاء سببه وهو بقاء المبتدأ بلا خبر وفيه ما مر.