وعن المبرّد أنه حمل على ذلك قراءة من قرأ : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] ، واعترض بأمرين :
أحدهما : أن مجيء «إنّ» بمعنى «نعم» شاذّ ، حتى قيل : إنه لم يثبت.
والثاني : أنّ اللام لا تدخل في خبر المبتدأ ، وأجيب عن هذا بأنّها لام زائدة ، وليست للابتداء ،
______________________________________________________
وخبرها معا ، فإنهما لم يذكرا فيه واللازم باطل فتعين جعلها بمعنى نعم ، لسلامته من هذا المحذور ، لكن قد يقدح في ذلك بأنها ليست في هذا التركيب بمعنى نعم ، ضرورة أنها فيه لتقرير مضمون الدعاء ، وهو ليس من مواقع نعم ، قلت : ولم يجعلها الزمخشري بمعنى نعم ، وإنما قال : وتخرج إن المكسورة إلى معنى أجل ، وصرح في أجل أنها لا تصدق بها إلا في الخبر خاصة ، ويشكل عليه كلام ابن الزبير فإنه ساقه لفصل فيما جاءت فيه بمعنى أجل فتأمله.
(وعن المبرد أنه حمل على ذلك قراءة من قرأ (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣]) بتشديد إن وإثبات الألف في هذان ، وهم من عدا ابن كثير وأبا عمرو وحفصا ، وأما ابن كثير فأسكن نون إن مخففة وشدد نون هذان وأثبت الألف فيها ولم يشدد النون المذكورة أحد غيره ، وأما حفص فخفف نون إن وجعل إن هذين بياء على ما هو الظاهر ، وإنما المشكل تلك القراءة المتقدمة ، فخرجها المبرد كما حكاه المصنف : أن إن فيه بمعنى نعم وتبعه على ذلك جماعة ، قلت : ويحكى أن أبا علي الفارسي رده بأن ما قبل إن المذكورة لا يقتضي أن يكون جوابه نعم ؛ إذ لا يصح أن يكون جوابا لقول موسى عليهالسلام : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) [طه : ٦١] ولا أن يكون جوابا لقوله : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) [طه : ٦٢] وهذا كلام حسن ولم ينقله المصنف وإنما قال : (واعترض بأمرين:
أحدهما : أن مجيء إن بمعنى نعم شاذ ، حتى قيل : إنه لم يثبت) وهذا أمر لا يلتفت إليه مع نقل سيبويه وغيره له عن العرب الفصحاء وتلقي الأئمة له بالقبول ، فإن قلت : جعل المصنف القول بعدم الثبوت غاية لشذوذ مجيء إن بمعنى نعم ، فكيف يتصور؟ قلت : يمكن أن يقال هو غاية لما يستلزمه قوله شاذ من معنى الخفاء ، فكأنه قيل قد خفي حتى إنه لم يطلع عليه بعض الناس ؛ لما فيه من الخفاء فقال : إنه لم يثبت.
(والثاني : أن اللام لا تدخل في خبر المبتدأ) وقد دخلت هنا ؛ لأن قوله : هذان مبتدأ ، وساحران خبره. (وأجيب عن هذا بأنها لام زائدة وليست للابتداء) فلا محذور حينئذ ، وذلك لأن لام الابتداء إنما امتنع دخولها في الخبر ؛ لأن لها الصدر ووقوعها في الخبر المفرد مناف