والرّتمة أيضا خيط يشدّ في الإصبع ليذكر الرجل به حاجته ، وكلا هذين المعنيين تأويله الإقامة والثبوت ، فيجوز أن يكون راتم من هذا المعنى. وإذا أمكن أن تتأول اللفظة على ظاهرها لم يسغ العدول عنه إلى الباطن إلا بدليل ، والدليل هنا إنما يؤكد الظاهر لا الباطن ، فينبغي أن يكون العمل عليه دون غيره.
وقرأت على أبي علي بإسناده إلى يعقوب ، قال : «يقال : رأيته من كثب ومن كثم» (١) ثم إنا رأيناهم يقولون : قد أكثب لك الأمر إذا قرب ، ولم نرهم يقولون قد أكثم ، فالباء على هذا أعم تصرفا من الميم ، فالوجه لذلك أن تكون الباء هي الأصل للميم.
وقد يجوز أن تكون الميم أصلا أيضا لقولهم : أخذنا على الطريق الأكثم ، أي الواسع ، والسعة قريبة المعنى من القرب ، ألا ترى أنهما يجتمعان في تسهّل سلوكهما ، وأنه لا يتسع الطريق ، ولا تكثر سابلته (٢) إلا لأنه أقصد من غيره ، والقصد كما تراه هو القرب ، فقد آلا إذن إلى معنى واحد.
وقرأت على أبي علي بإسناده إلى يعقوب ، قال : قال الأحمر (٣) : يقال : طانه الله على الخير ، وطامه ، أي : جبله ، وهو يطينه ، وأنشد :
... |
|
ألا تلك نفس طين منها حياؤها (٤) |
والقول فيه : إن الميم في طامه بدل من النون في طانه ، لأنا لم نسمع لـ «طام» تصرفا في غير هذا الموضع.
فأما قول الآخر (٥) :
__________________
(١) كثم : تأتي بمعنى قرب. القاموس (٤ / ١٦٩).
(٢) سابلته : السابلة : الطريق المسلوك ، والسابلة : الطريق والمارون عليه. (ج) سوابل.
(٣) ذكر ذلك ابن السكيت صاحب الإبدال ، والأحمر هو : خلف بن حيان. انظر / اللسان (١٣ / ٢٧٠) مادة / طين.
(٤) ذكر صاحب اللسان البيت في مادة (ط ي ن) دون أن ينسبه. (١٣ / ٢٧٠).
(٥) ذكر البيت صاحب اللسان في مادة (نغب) دون أن ينسبه (١ / ٧٦٥) مادة / نغب.