الهاء من الحال لأنها تضارع الصفة ، والصفة قد يجوز فيها حذف الهاء جوازا حسنا ، وذلك نحو قولك : الناس رجلان فرجل أكرمت ورجل أهنت ، والقوم مختلفون فواحد ضربني وآخر ضربت ، قال : وهو من أبيات الكتاب (١) :
أبحت حمى تهامة بعد نجد |
|
وما شيء حميت بمستباح (٢) |
أي : حميته ، فعلى هذا تقول : نظرت إلى زيد تضرب هند ، أي : تضربه هند ، فتحذف الهاء من الحال لمضارعتها الصفة.
والوجه الثالث : أن تجعل «ذلك» بمنزلة «الذي» وتجعل الجملة التي هي قوله تعالى : (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) صلة له ، وتنصب «ذلك» الذي بمعنى «الذي» بيدعو ، فيصير التقدير : يدعو الذي هو الضلال البعيد ، ثم يقدّم المفعول الذي هو «الذي» فيصير التقدير : الذي هو الضلال البعيد يدعو ، كما تقول : زيدا يضرب ، و «ذا» قد استعملت بمعنى الذي ، نحو قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) (البقرة : ٢١٩) (٣) في من رفع الجواب ، فقال : (قُلِ الْعَفْوَ)(٤) أي : ما الذي ينفقون؟ فرفع «العفو» يدل على أن ما مرفوعة بالابتداء ، وذا خبرها ، وينفقون صلة ذا ، وأنه ليس «ماذا» جميعا كالشيء الواحد ، هذا هو الوجه عند سيبويه ، وإن كان قد أجاز الوجه الآخر مع الرفع.
__________________
(١) نسب صاحب الكتاب البيت لجرير وعثرنا عليه في ديوانه (١ / ٤٥).
(٢) أبحت : أباح الشيء أي أحله وأطلقه. حمى : الحمى : الموضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى. لسان العرب (١٤ / ١٩٩). مستباحا : أي عده مباحا وأحله وأطلقه. الشاهد فيه حذف الهاء من قوله حميت ، والتقدير أي وما شيء حميته.
(٣) أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيدا وعكرمة عن ابن عباس ، أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقالوا : إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا فما ننفق منها؟. وأخرج أيضا عن يحيى أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقالا : يا رسول الله إن لنا أرقاء وأهلين ، فما ننفق من أموالنا؟ فأنزل الله هذه الآية. تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي (ص ٧٢ ـ ٧٣).
(٤) هي قراءة أبي عمرو ، أما بقية القراءات للقراء السبعة فقرأوها بالنصب.