قال : فقدمت اللام عن موضعها ، وحكى هذا القول عن البصريين والكوفيين جميعا. وهذا عندنا على إجماع الكافة عليه في ما حكاه أبو إسحاق غير جائز ولا مرضي ، وقد أنكره أبو علي ، وذهب في فساده إلى أن اللام على هذا التقدير من صلة من ، ومحال أن تتقدم الصلة أو شيء منها على الموصول.
فإن قلت : فما تقول في هذه اللام ، وكيف موقع الكلام؟
فالجواب : أن فيه أربعة أوجه غير ما حكاه أبو إسحاق :
أحدها : أن تجعل يدعو تكرارا لـ «يدعو» الأولى (١) ، وترك إعمالها لأنها قد أعملت متقدمة ، فاستغني فيها عن إعادة العمل ، كما تقول : ضربت زيدا ضربت ، حكى ذلك سيبويه ، أعني قولهم : ضربت زيدا ضربت ، وتكون اللام في «لمن» لام الابتداء و «من» مرفوعة بالابتداء ، وقوله عز وجل : (لَبِئْسَ الْمَوْلى) (الحج : ١٣) (٢) خبر «من» كأنه قال : للّذي ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى ، واللام التي في «لبئس» هي اللام التي يتلقّى بها القسم في نحو :
... |
|
لناموا فما إن من حديث ولا صالي (٣) |
وهي تدل على يمين محذوفة ، فكأنه ـ والله أعلم ـ للّذي ضرّه أقرب من نفعه والله لبئس المولى ، كما تقول : زيد والله لقد قام. فهذا وجه.
والثاني : أن تكون هناك هاء محذوفة منصوبة بيدعو ، وتكون الجملة في موضع نصب على الحال من «ذلك» في قوله عز وجل : (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (إبراهيم : ١٨) (٤) التقدير : ذلك هو الضلال البعيد مدعوا ، وغير منكر حذف
__________________
(١) الأولى : أي قوله تعالى (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ).
(٢) (لَبِئْسَ الْمَوْلى) أسلوب ذم غرضه التحقير. والشاهد فيه اللام التي يتلقى بها القسم ، والتي تدل على يمين محذوفة تقديرها : والله لبئس المولى.
(٣) والشاهد فيها وجود اللام التي يتلقى بها القسم والتي تدل على يمين محذوفة.
(٤) الشاهد فيه أن ذلك نزلت منزلة اسم الموصول ـ الذي ـ وبالتالي فإن جملة (هو الضلال البعيد) هي صلة له ، وتنصب «ذلك» على المفعولية للفعل يدعو.