والوجه الرابع : أن يكون «يدعو» بمنزلة يقول ، أي : يقول لمن ضرّه أقرب من نفعه إله أو ربّ ، فتكون من مرفوعة بالابتداء ، وخبرها محذوف مقدر كما أريتك. ويدلك على أن «يدعو» بمنزلة يقول قول عنترة (١) :
يدعون عنتر والرماح كأنها |
|
أشطان بئر في لبان الأدهم (٢) |
أي : يقولون : يا عنتر ، فدلّت «يدعون» عليها. وقد ذهب أيضا أبو إسحاق في هذه الآية إلى أن «يدعو» بمنزلة يقول ، وهو صحيح.
فإن قلت : فلم جعلت خبر من محذوفا دون أن يكون قوله : «لبئس المولى» كما أجزت أنت ذلك في ما تقدم من كلامك؟
فالجواب : أن الكفار ليسوا يقولون لمن يدعونه إلها «لبئس المولى ولبئس العشير» لأنهم لو قالوا ذلك لكان سوء ثناء منهم عليه ، والكافر لا يسيء الثناء على معبوده ، لأنه لو ساء ثناؤه عليه لما عبده أصلا ، ونحن في
أول الأمر لم نحك ذلك عنهم ، وإنما أخبرنا أن من ضرّه أقرب من نفعه فإنه بئس المولى ، وكذلك هو عندنا ، وليس هو كذلك ، عند من يكفر بالله تبارك وتعالى.
فإن قلت : فإذا كان الأمر كذلك فكيف جاز أن يقول : يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه إله ، والكافر لا يقول : لمن ضره أقرب من نفعه إله ، لأن ذلك أيضا سوء ثناء منه عليه ، كما أن قوله : «لبئس المولى» سوء ثناء عليه ، فما الفرق بين الموضعين؟ ولم جاز أحدهما دون الآخر؟
فالجواب : أن ذلك إنما جاز على حكاية قولنا نحن فيه ، ونظير هذا قولك لمن تريد أن تردعه عن الشيء وتثنيه (٣) إلى غيره : انته عن كذا وكذا فإنه باطل ، فيقول
__________________
(١) البيت من معلقة عنترة وكذا في ديوانه
(٢) أشطان : (م) شطن. والشطن فتحتين الحبل وقال الخليل هو الحبل الطويل. لبان : اللبان : الصدر أو وسطه أو ما بين الثديين. القاموس (٤ / ٢٦٥). الأدهم : دهم ، دهمة : اسود فهو أدهم وهي دهماء (ج) دهم. والأدهم اسم يطلق على فرس عنترة. القاموس المحيط (٤ / ١١٥). والشاهد فيه معاملة يدعو بمنزلة يقول.
(٣) تثنيه : أي تجعله ينعطف ويرتد. لسان العرب (١٤ / ١١٥) مادة / ثنى.