فإن قلت : فعلام تجيز كون من شرطا وقد قدّمت قبح ذلك؟
فالجواب : أن جواز ذلك على أن تجعل «علموا» نفسها قسما ، وقد استعملتها العرب بمعنى القسم ، ومن أبيات الكتاب (١) :
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي |
|
إنّ المنايا لا تطيش سهامها (٢) |
فكأنه قال : والله لتأتينّ منيّتي.
فإن قلت : فإذا جعلت علموا جاريا مجرى القسم بما ذكرته ، وعندك أن اللام في لقد دالة على القسم المحذوف ، فكأنه عندك : والله لقد علموا ، وقوله : (لَقَدْ عَلِمُوا) جار مجرى القسم ، فكيف يجوز على هذا دخول القسم على القسم ، أولا ترى أن سيبويه والخليل (٣) ذهبا في قوله تعالى ذكره : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها. وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) (الشمس : ١ ، ٢) (٤) أن جميع ما بعد الواو الأولى من الواوات إنما هو واو عطف ، وليس بواو قسم لئلا يدخل قسم على قسم ، فيبقى الأول منهما غير مجاب؟
فالجواب : أن ذلك إنما جاز في علموا من حيث كان إنما هو في معنى القسم ، وليس قسما صريحا ، وإنما هو بمنزلة أشهد لقد كان كذا ، وما جرى مجرى هذا مما ليس بقسم محض ، فلأجل هذا جاز أن تكون من في قوله سبحانه : (لَمَنِ اشْتَراهُ) شرطا ، واللام في أولها مؤكدة للشرط ، فاعرف ذلك إن شاء الله.
وذهب أبو إسحاق في قوله جل ثناؤه : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) (الحج : ١٣) (٥) إلى أن التقدير : يدعو من لضرّه أقرب من نفعه.
__________________
(١) نسب البيت صاحب الكتاب إلى لبيد بن ربيعة العامري وهو مذكور في معلقته (١ / ٤٥٦).
(٢) الشاهد فيه وشرحه. انظر / شذور الذهب (ص ٣٦٥) شاهد ١٨٥.
(٣) الكتاب (٢ / ١٤٦) والآية التي ذكرها سيبويه في هذه المسألة قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (الليل : ١ ـ ٣).
(٤) الأسلوب إنشائي في صورة قسم غرضه التوكيد. والشاهد في الآية أن جميع الواو حرف عطف.
(٥) أي يدعو آلهة لضرها في الآخرة أقرب من نفعها. والشاهد فيه تقديم اللام عن موضعها ، والتقدير يدعو من لضره أقرب من نفعه. وهذا رأي البصريين والكوفيين.