وقول النابعة (١) :
أفد الترحّل غير أنّ ركابنا |
|
لّما تزل برحالنا ، وكأن قدي (٢) |
يريد : وكأن قد زالت ، وهو كثير.
وتزاد أيضا بعد لام المعرفة عند التذكر ، وذلك قولهم : قام الي ، يريد : الغلام أو الإنسان ، أو نحو ذلك ، فينسى الاسم ، فيقف مستذكرا ، فلا يقطع على اللام لأنها ليست بغاية لكلامه ، وإنما غايته ما يتوقعه بعده ، فيطول وقوفه وتطاوله إلى ما بعد اللام ، فيكسرها تشبيها بالقافية المجرورة إذا وقع حرف رويّها حرفا ساكنا صحيحا ، نحو قوله : «وكأن قدي». وكذلك لو وقعت «أن» قافية لقيل «أني» ولو وقعت «عن» قافية لقيل «عني» ولو وقعت «من» قافية لأطلقت تارة إلى الفتح ، وتارة في قصيدة أخرى إلى الكسر ، وذلك لأن «من» قد تفتح في نحو قولك : «من الرجل» وقد تكسر وتفتح أيضا في نحو «من ابنك» و «من ابنك» فتقول في القافية المنصوبة «منا» ، وفي القافية المجرورة «مني» إلا أن الفتح أغلب عليها لأنه أكثر في الاستعمال.
وإنما جمعنا بين القافية وبين التذكر من قبل أن القافية موضع مدّ واستطالة ، كما أن التذكر موضع استشراف وتطاول إلى المتذكّر ، فاعرف ذلك.
وعلى هذا قالوا في التذكر «قدي» أي : قد قام أو قعد أو نحو ذلك. وكذلك كل ساكن وقفت عليه وتذكرت بعده كلاما فإنك تكسره ، وتشبع كسرته للاستطالة والتذكر ، نحو قولك : «من أنت» إذا وقفت على «من» مستذكرا لما بعدها قلت «مني».
__________________
(١) البيت للنابغة الذبياني أحد فحول شعراء الجاهلية ، وثالث شعراء الطبقة الأولى منهم. انظر / شرح ابن عقيل (١ / ١٩).
(٢) لقد قرب موعد الرحيل إلا أن ركابنا لم تغادر مكان أحبابنا بما عليها من الرحال ، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق. الشاهد فيه (كأن) حيث خففت للتشبيه. إعرابه : كأن حرف تشبيه ونصب واسمها ضمير الشأن ، وخبرها جملة محذوفة تقديرها (وكأن قد زالت) فحذفت الجملة وبقي الحرف.