ففتحهم ميم حكم مع أنه منادى مفرد معرفة إنما هو لأنه قد جعلوه مع ابن كالشيء الواحد ، فلما فتحوا نون ابن فتحوا أيضا ميم حكم ، لأنهم إذا أضافوا ابنا فكأنهم قد أضافوا حكما ، وهذا أحد ما يدل عندنا على شدة امتزاج الصفة بالموصوف ، وهنا أشياء غير هذا تدل أيضا على شدة امتزاجها.
ويدلك على أن حذفهم التنوين من الاسم الأول في هذا إنما هو لأنهم اعتقدوا في الاسمين أنهما قد جريا مجرى الاسم الواحد حتى إنهم لما أضافوا ابنا فكأنهم قد أضافوا ما قبله ، وأنه لم يحذف التنوين لالتقاء الساكنين كما ذهب إليه قوم ما حكاه سيبويه من قولهم : «هذه هند بنت فلانة» (١) في قول من صرف هندا ، فتركهم التنوين في هند وهي مصروفة ولا ساكنين هناك ، يدل على أنهم إنما حذفوا التنوين لكثرة الاستعمال لا لالتقاء الساكنين ، وهو رأي أبي عمرو بن العلاء.
ومن ذهب من العرب إلى أن حذف التنوين في نحو رأيت زيد بن عمرو إنما هو لالتقاء الساكنين قال : هذه هند بنت فلان ، فنوّن هندا إذا كان ممن يصرفها ، قال سيبويه : «وزعم يونس أنها لغة كثيرة جيدة» يعني إثبات التنوين في هند لأن الباء من بنت متحركة وكلّ ما ذكرناه من حال ابن إذا جرى وصفا ، وحال ما قبله ، فهو جار على بنت وابنة لأنهما في كثرة الاستعمال مثله.
فأما ما يذهب إليه الكتّاب المحدثون من إثبات الألف خطا في ابن إذا تقدمت هناك كنية أو تأخرت ، وكتبهم رأيت أبا بكر ابن زيد ، ومررت بجعفر بن أبي علي ، وكلمني أبو محمد ابن أبي سعيد ، بألف في ابن فمردود عند العلماء على قياس مذاهبهم ، وذلك أن العلة التي لأجلها تحذف الألف من أول ابن إنما هي اختلاطه بما قبله واستغناؤهم عن فصله منه وابتدائهم به منفردا عنه ، فلم تكن به حاجة إلى الألف التي إنما دخلت للابتداء لمّا تعذر ابتداؤهم بالساكن ، وهذه العلة أيضا موجودة مع الكنية ، ألا ترى إلى قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء :
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها |
|
حتى أتيت أبا عمرو بن عمّار (٢) |
__________________
(١) الكتاب (٢ / ١٤٨) وفيه : «هذه هند بنت عبد الله».
(٢) الشاهد فيه (أبا عمرو بن) حيث حذف التنوين من (عمرو) لأنها مع ابن كالاسم الواحد.