عن السبيل السوي فاقتيدوا إلى النّار.
كما جاء نظير هذا المعنى في الآية (٢٥) من سورة الطور ، فكيف تنسجم هذه الآيات مع الآية موضع البحث ، وهي تنصّ على عدم تساؤل الناس يوم القيامة؟.
لو دقّقنا مليّا في مضمون الآيات محلّ البحث لاتّضح لنا جواب هذا السؤال ، فالآيات الخاصّة بإثبات سؤال بعضهم للآخر إنّما تتحدّث في حالة استقرارهم في الجنّة ، أو في النّار. في وقت تنفي الآيات محل البحث تساؤل الناس حين البعث ، حيث يسيطر الرعب على الجميع. حتّى أنّ الناس ينسون جميع من حولهم ويذهلون عنهم من هول الحشر. وبتعبير آخر : للقيامة مواقف ولكلّ موقف شأن معيّن ، والإشكال المذكور نجم عن عدم تشخيص هذه المواقف.
وبعد وقوع القيامة تبدأ مرحلة الحساب وقياس الأعمال بميزان خاصّ بيوم القيامة : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
«الموازين» جمع «ميزان» وهو وسيلة للقياس. وكما قلنا سابقا : إنّ الميزان لا يعني ما نعرفه في هذه الدنيا لوزن الموادّ ، إنّ الميزان في هذه الآية يعني وسيلة ملائمة لقياس قيمة أعمال الإنسان ، أي : للميزان مفهوم واسع يشمل جميع وسائل القياس. وكما ورد في الأحاديث المختلفة أنّه ميزان تقاس به الأعمال والناس ، وهم قادة الإسلام الكبار ، في الحديث : «إنّ أمير المؤمنين والأئمّة من ذريته هم الموازين» (١).
وعلى هذا فإنّ الرسل وأوصياءهم هم الذين يقاس الناس وأعمالهم بهم ، ليتبيّن إلى أي درجة يشبهونهم. وبهذا يتميّز الناس ثقيلهم من خفيفهم ، وثمينهم من تافههم ، وعالمهم من جاهلهم. كما يتّضح لنا سرّ ذكر الموازين بصيغة الجمع ، لأنّ قادة الناس الكبار في السابق ـ وهم موازين القياس ـ قد تعدّدوا في التاريخ.
__________________
(١) بحار الأنوار ، المجلّد السابع ، صفحة ٢٥١ (الطبعة الجديدة).