آذوا هذا النّبي الجليل إلى درجة جعلته يصرخ مناديا ربّه ليدركه وينجّيه من أذاهم وشرّهم ، ولو أمعنا النظر في أحوال نوح الواردة في سورة نوح وسورة هود لوجدنا أنّه كان محقّا أن يرفع صوته ويدعو ربّه سبحانه (١).
ثمّ تضيف الآية : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) وفي الحقيقة فإنّ جملة «فاستجبنا» إشارة مجملة إلى استجابة دعوته ، وجملة (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) تعتبر شرحا وتفصيلا لها.
وهناك اختلاف بين المفسّرين في المراد من كلمة (أهل) هنا ، لأنّه إذا كان المراد منها عائلته وأهل بيته فستشمل بعض أبناء نوح ، لأنّ واحدا من أولاده تخلّف عنه مع المسيئين وأضاع بنوته لعائلته ، وكذلك لم تكن زوجته مؤمنة به.
وإن كان المراد من الأهل خواص أتباعه وأصحابه المؤمنين ، فإنّها على خلاف المعنى المشهور للأهل.
لكن يمكن أن يقال : أنّ للأهل ـ هنا ـ معنى وسيعا يشمل أهله المؤمنين وخواص أصحابه ، لأنّا نقرأ في حقّ ابنه الذي لم يتبعه : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) (٢) وعلى هذا فإنّ الذين اعتنقوا دين نوح يعدّون في الواقع من عائلته وأهله.
وينبغي ذكر هذه الملاحظة أيضا ، وهي : إنّ «الكرب» في اللغة تعني الغمّ الشديد ، وهي في الأصل مأخوذة من تقليب الأرض وحفرها ، لأنّ الغمّ الشديد يقلب قلب الإنسان ، ووصفه بالعظيم يكشف عن منتهى كربه وأساه.
وأيّ كرب أعظم من أن يدعو قومه إلى دين الحقّ (٩٥٠) عاما ، كما صرّح القرآن بذلك ، لكن لم يؤمن به خلال هذه المدّة الطويلة إلّا ثمانون شخصا على المشهور بين المفسّرين (٣) ، وأمّا عمل الآخرين فلم يكن غير السخرية
__________________
(١) راجع ما ذكرنا عليه آنفا ذيل الآية (٢٥) سورة هود.
(٢) هود ، ٤٦.
(٣) مجمع البيان ذيل الآية (٤٠) من سورة هود ، ونور الثقلين ، المجلّد ٢ ، ص ٣٥٠.