فنحن نقرأ في الآية (١٧) من سورة محمّد قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) فهل يدلّ التعبير بالزيادة إلّا على التكامل؟
وهنا ينقدح سؤال ، وهو : إذا كان الهدف هو التكامل ، فلما ذا لم يخلق الله الإنسان كاملا منذ البداية حتّى لا يكون محتاجا إلى طيّ مراحل التكامل؟
إنّ أساس هذا الإشكال هو الغفلة عن هذه النقطة ، وهي أنّ العنصر الأصلي للتكامل هو التكامل الاختياري ، وبتعبير آخر فإنّ التكامل يعني أن يطوي الإنسان الطريق بنفسه وإرادته وتصميمه ، فإذا أخذوا بيده وأوصلوه بالقوّة والجبر فليس هذا افتخارا ولا تكاملا.
فمثلا : لو أنفق الإنسان فلسا واحدا من ماله بإرادته وتصميمه ، فقد طوى من طريق الكمال الأخلاقي بتلك النسبة ، في حين أنّه لو أجبر على إنفاق الملايين من ثروته ، فإنّه لم يتقدّم خطوة واحدة في ذلك الطريق ، ولذلك صرّح القرآن بهذه الحقيقة في الآيات المختلفة ، وهي أنّ الله سبحانه لو شاء لأجبر الناس على أن يؤمنوا ، إلّا أنّ هذا الإيمان لا نفع فيه لهؤلاء : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (١).
* * *
__________________
(١) يونس ، ٩٩.