هذه المعاني بعيدة عن ذاته المقدسة. ولذلك قالت الآية الأخرى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) ، فمع أن كل العباد مطيعون له ، وقد وضعوا أرواحهم وقلوبهم على الأكف طاعة لأمره ، فهو غير محتاج لطاعتهم ، بل هم المحتاجون.
ثمّ تقول الآية التالية : (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) أي لا تتصور بأنّ محاسبة كل هؤلاء العباد غير ممكن ، وعسير عليه سبحانه ، فإنّ علمه واسع إلى الحد الذي ليس يحصي عدد هؤلاء وحسب ، بل إنّه عالم ومطلع على كل خصوصياتهم ، فلا هم يستطيعون الفرار من حكومته ، ولا يخفى عليه شيء من أعمالهم.
(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) وبناء على هذا فإنّ المسيح وعزير والملائكة وكل البشر يشملهم حكمه ولا يستثنى منه أحد ، ومع هذه الحال فما أقبح أن نعتقد ونقول بوجود ولد له ، وكم ننقص من قدر ذاته المقدسة وننزلها من أوج العظمة وقمتها ، وننكر صفاته الجلالية والجمالية حينما ندعي أن له ولدا (١)
ملاحظتان
١ ـ إلى الآن يظنون أنّه ابن الله!
إنّ ما قرأناه في الآيات السابقة ينفي الولد عن الله بكل جزم وقطع ، وإنّ هذه الآيات مرتبطة بزمان مرّ عليه أربعة عشر قرنا ، في حين أنّنا لا نزال نرى اليوم كثيرا من المسيحيين ـ ونحن في عصر العلم ـ يعتقدون أنّ المسيح ابن الله ، لا نبوة مجازية ، بل هو الابن الحقيقي! وإذا ما ذكر في بعض الكتابات التي لها صفة التبشير ، وكتبت بصورة خاصّة للأوساط الإسلامية ، إن هذا الابن ابن مجازي ،
__________________
(١) بحثنا حول نفي الولد عن الله في الجزء الأوّل ذيل الآية (١١٦) من سورة البقرة ، ذيل الآية (٦٨) من سورة يونس.