وجاء في فتح الباري (١) للحافظ ابن حجر ما خلاصته : أنّ دفع المفسدة مقدّم على جلب المصلحة ، ولذلك أمر عثمان أبا ذر أن يقيم بالربذة مع أنّ في بقائه بالمدينة مصلحة كبيرة لطالبي العلم لما في بقائه بالمدينة من مفسدة تترتّب على نشر مذهبه.
وممّا ذكرنا يتبيّن أنّ ما في هذا الكتاب ـ الشيوعيّة في الإسلام ـ لا يتّفق هو ومبادئ الإسلام وقواعده. كما يتبيّن أنه لا شيوعيّة في الإسلام بالمعنى الذي يفهمه الناس ، والذي صرّح به صاحب هذا الكتاب وسمّاه شيوعيّة الإسلام ، ومن أجل هذا نرى ألاّ يذاع مثل هذا الكتاب بين الناس لئلاّ يتّخذها المفسدون في الأرض الهدّامون للنظم الصالحة ذريعة للإخلال بالنظام وإفساد عقول ضعفاء الإيمان والجاهلين بمبادئ الإسلام.
قال الأميني : إنّ وزارة الداخليّة أو شيخ الأزهر لو أحال كلّ منهما النظر في هذه المهمّة إلى لجنة عارفة بحال أبي ذر ، واقفة على مقاله ، مطّلعة على كتب الحديث والسير والتفاسير ، بصيرة بما فيها من الغثّ والسمين خالية عن الأغراض ، بعيدة عن النعرات الطائفيّة ، لحكمت بما هو الحقّ الصراح ، وعرفت أنّ ما دعا إليه أبو ذر لم يكن خارجاً عمّا سردته هي في مفتتح مقالها من اعتبار المالكيّة لكلّ إنسان ، وما يجب عليه إنفاقه من المال ، وما يتطوّع به الرجل من النفقات ، وقد أوقفناك قبل هذا على كلّ ذلك ، وأنّ هياجه لم يكن موجّهاً إلاّ إلى أناس معلومين كانوا يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقون منها في سبيل الله ، ويحرمون الأُمّة من منافعها المفروضة لها فضلاً عن المندوب إليها والمرغّب فيها. وبذلك كلّه تعرف أن ما عزت إليه اللجنة الحاكمة ـ من غير بصيرة ـ من وجوب إنفاق ما فضل من المال على حاجة الإنسان ونفقته ونفقة عياله زور من القول ، وفند (٢) من الرأي ، وليتها أشارت إلى مصدر ما ادّعته من
__________________
(١) فتح الباري : ٣ / ٢٧٥.
(٢) الفند : الكذب ، والمحرّف من الكلام.