حسداً ، ولو أنّ السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثمّ اتّقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً ، لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ ، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل ، فلو قبلت دنياهم لأحبّوك ، ولو قرضتَ منها لأمّنوك» (١).
ذكر ابن أبي الحديد في الشرح (٢) (٢ / ٣٧٥ ـ ٣٨٧) تفصيل قصّة أبي ذر ورآه مشهوراً متضافراً ، وإليك نصّه قال :
واقعة أبي ذر وإخراجه إلى الربذة أحد الأحداث التي نقمت على عثمان ، وقد روى هذا الكلام أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة (٣) عن عبد الرزاق ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا أُخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس : أن لا يكلّم أحد أبا ذر ولا يشيّعه ، وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به فخرج به ، وتحاماه الناس إلاّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وعقيلاً أخاه وحسناً وحسيناً عليهماالسلام وعمّاراً ، فإنّهم خرجوا معه يشيّعونه ، فجعل الحسن عليهالسلام يكلّم أبا ذر ، فقال له مروان : إيهاً يا حسن ألا تعلم أنّ أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل؟ فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك. فحمل عليّ عليهالسلام على مروان فضرب بالسوط بين أُذني راحلته وقال : «تنحّ نحّاك الله إلى النار». فرجع مروان مغضباً إلى عثمان فأخبره الخبر فتلظّى على عليّ عليهالسلام ، ووقف أبو ذر فودّعه القوم ومعه ذكوان مولى أُم هاني بنت أبي طالب ، قال ذكوان : فحفظت كلام القوم ـ وكان حافظاً ـ فقال عليّ عليهالسلام :
«يا أبا ذر إنّك غضبت لله ، إنّ القوم خافوك على دنياهم ، وخفتهم على دينك ، فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا ، والله لو كانت السموات والأرض على عبد رتقاً ثمّ
__________________
(١) نهج البلاغة : ١ / ٢٤٧ [ص ١٨٨ خطبة ١٣٠ وقرَضت منها : قطعت منها جزءاً]. (المؤلف)
(٢) نهج البلاغة : ٨ / ٢٥٢ ـ ٢٦٢ خطبة ١٣٠.
(٣) السقيفة وفدك : ص ٧٨ ـ ٨١.