قد شكاه إلى الخليفة الكوفيّون مرّة فلم يعبأ بها ، فقال : كلّما رأى أحدكم من أميره جفوة أرادنا أن نعزله ، فانكفأ سعيد إلى الكوفة ، وأضرّ بأهلها إضراراً شديداً (١) ونفى في سنة (٣٣) بأمر من خليفته جمعاً من صلحاء الكوفة وقرّائها إلى الشام كما يأتي تفصيله. ولم يفتأ على سيرته السيّئة إلى أن رحل من الكوفة إلى عثمان مرّة ثانية سنة (٣٤) والتقى هناك بالفئة الشاكية إلى عثمان وهم :
الأشتر بن الحارث ، يزيد بن مكفّف ، ثابت بن قيس ، كميل بن زياد ، زيد بن صوحان ، صعصعة بن صوحان ، الحارث الأعور ، جندب بن زهير ، أبو زينب الأزدي أصغر بن قيس الحارثي.
وهم يسألون الخليفة عزل سعيد ، فأبى وأمره أن يرجع إلى عمله ، وقفل القوم قبله إلى الكوفة واحتلّوها ودخلها من ورائهم ، وركب الأشتر مالك بن الحارث في جيش يمنعه من الدخول فمنعوه حتى ردّوه إلى عثمان ، فجرى هنالك ما جرى ، ويأتي نبأه بعد حين إن شاء الله تعالى.
لقد أراد الخليفة أن يصل رحمه من هذا الشابّ المجرم بإعطاء تلك الكمّية الزائدة على حدّه وحقّه من بيت المال ، إن كان له ثمّة نصيب ، ولو كان هذا العطاء حقّا لَما نقده عليه أعاظم الصحابة وفي طليعتهم مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.
وأمّا ما تترّس به من المعذرة من الاحتساب بصلة الرحم كما احتسب مَن قبله بمنع رحمهم عن الزيادة في أعطياتهم من بيت المال فتافه ، لأنّ الصلة إنّما تستحسن من الإنسان إن كان الإنفاق من خالص ماله لا المال المشترك بين آحاد المسلمين ؛ ومن وهب مالا يملكه لا يُعَدُّ أميناً على أرباب المال ، فهو إلى الوزر أقرب منه إلى الأجر.
__________________
(١) أنساب البلاذري : ٥ [ص ٣٩ ـ ٤٥]. (المؤلف)