عثمان في إدخاله المدينة فأبى ، فقال له عثمان : عمّي ، فقال : عمُّك إلى النار ؛ هيهات هيهات أن أُغيّر شيئاً فعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والله لا رددته أبداً ، فلمّا توفّي أبو بكر وولي عمر كلّمه عثمان في ذلك فقال له : ويحك يا عثمان تتكلّم في لعين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وطريده وعدوّ الله وعدوّ رسوله؟ فلمّا ولي عثمان ردّه إلى المدينة فاشتدّ ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة ، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه. انتهى.
ألم تكن للخليفة أُسوة في رسول الله؟ والله يقول : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (١) أو كان قومه وحامّته أحبّ إليه من الله ورسوله؟ وبين يديه الذكر الحكيم : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢).
ثمّ ما هو المبرّر لتخصيص الرجل بتلك المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين وأُعطياتهم؟ بعد تأمينه على أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والأمانة واللعين لا يكون ثقةً ولا أميناً.
ثمّ نسائل الحَكَم والخليفة على تقريره لما ارتكبه من حمل صدقات قضاعة إلى دار الخلافة وقد ثبت في السنّة كما مرّ (ص ٢٣٩) أنّها تُقسّط على فقراء المحلّ وعليها أتت الأقوال. قال أبو عبيد في الأموال (٣) (ص ٥٩٦) : والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلّها أنّ أهل كلّ بلد من البلدان ، أو ماء من المياه أحقُّ بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك ، وإن أتى ذلك على جميع صدقتها حتى يرجع
__________________
(١) الأحزاب : ٢١.
(٢) التوبة : ٢٤.
(٣) الأموال : ص ٧٠٩ ح ١٩١١.