٦ ـ إنّ سياق الآية الكريمة ـ آية الاستغفار ـ سياق نفي لا نهي فلا نصّ فيها على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم استغفر فنُهي عنه ، وإنّما يلتئم مع استغفاره لعلمه بإيمان عمّه ، وبما أنّ في الحضور من كان لا يعرف ذلك من ظاهر حال أبي طالب الذي كان يماشي به قريشاً ، فقالوا في ذلك أو اتّخذوه مدركاً لجواز الاستغفار للمشركين ، كما ربما احتجّوا بفعل إبراهيم عليهالسلام ، فأنزل الله سبحانه الآية وما بعدها من قوله تعالى (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ). الآية. تنزيهاً للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعذيراً لإبراهيم عليهالسلام ، وإيعازاً إلى أنّ من استغفر له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن مشركاً كما حسبوه ، وأنّ مرتبة النبوّة تأبى عن الاستغفار للمشركين ، فنفس صدوره منه صلىاللهعليهوآلهوسلم برهنة كافية على أنّ أبا طالب لم يكن مشركاً ، وقد عرفت ذلك أفذاذ من الأُمّة فلم يحتجّوا بعمل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لاستغفارهم لآبائهم المشركين ، وإنّما اقتصروا في الاحتجاج بعمل إبراهيم عليهالسلام كما مرّ في صحيحة عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام قال : «سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت : تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ قال : أوَ لم يستغفر إبراهيم؟». الحديث. راجع صفحة (١٢) من هذا الجزء.
ولو كان يعرف هذا الرجل أبا طالب مشركاً لكان الاستدلال لتبرير عمله باستغفار نبيّ الإسلام له ـ ولم يكن يخفى على أيّ أحد ـ أولى من استغفار إبراهيم لأبيه لكنّه اقتصر على ما استدلّ به.
٧ ـ إنّا على تقدير التسليم لرواية البخاري وغضّ الطرف عمّا سبق عن العبّاس من أنّ أبا طالب لهج بالشهادتين ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحمد لله الذي هداك يا عمّ وما مرّ عن مولانا أمير المؤمنين من أنّه ما مات حتى أعطى رسول الله من نفسه الرضا ، وما مرّ من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كلّ الخير أرجو من ربّي لأبي طالب». وما مرّ من وصيّة أبي طالب عند الوفاة لقريش وبني عبد المطّلب بإطاعة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم واتّباعه والتسليم لأمره وأنّ فيه الرشد والفلاح ، وأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الأمين في قريش والصدّيق في العرب. إلى تلكم النصوص الجمّة في نثره ونظمه ، فبعد غضّ الطرف عن هذه كلّها