قال الأميني : من أين جاء عثمان بهذا القيد في السفر؟ والأحاديث المأثورة في صلاته مطلقات كلّها ، كما أوقفناك عليها في (ص ١١١ ـ ١١٥) ، وقبلها عموم قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (١). ولأبي حنيفة وأصحابه والثوريّ وأبي ثور في عموم الآية نظر واسع لم يخصّوه بالمباح من السفر ، بل قالوا بأنّه يعم سفر المعصية أيضاً كقطع الطريق والبغي كما ذكره ابن حزم في المحلّى (٤ / ٢٦٤) ، والجصّاص في أحكام القرآن (٢) (٢ / ٣١٢) ، وابن رشد في بداية المجتهد (٣) (١ / ١٦٣) ، وملك العلماء في البدائع (١ / ٩٣) ، والخازن في تفسيره (٤) (١ / ٤١٣).
وليس لحضور العدوّ أيّ دخل في القصر والإتمام وإنّما الخوف وحضور العدوّ لهما شأن خاصّ في الصلوات ، وأحكام تخصّ بهما ، وناموس مقرّر لا يعدوهما.
فمقتضى الأدلّة كما ذهبت إليه الأُمّة جمعاء : أنّ التاجر والجابي والتاني والجشرية وغيرهم إذا بلغوا مبلغ السفر فحكمهم القصر ، فهم وبقيّة المسافرين شرع سواء ، وإلاّ فهم جميعاً في حكم الحضور يتمّون صلاتهم من دون أيّ فرق بين الأصناف ، وليس تفصيل الخليفة إلاّ فتوى مجرّدة ورأياً يخصّ به ، وتقوّلاً لا يؤبه له تجاه النصوص النبويّة ، وإطباق الصحابة ، واتّفاق الأُمّة ، وتساند الأئمّة والعلماء ، وإنّما ذكرناه هنا لإيقافك على مبلغ الرجل من الفقاهة ، أو تسرّعه في الفتيا من غير فحص عن الدليل ، أو أنّه عرف الدليل لكنّه لم يكترث له وقال قولاً أمام قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها |
|
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل |
على أنّ التاجر جاء فيه ما أخرجه ابن جرير الطبري وغيره من طريق عليّ
__________________
(١) النساء : ١٠١.
(٢) أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٥.
(٣) بداية المجتهد : ١ / ١٧٢.
(٤) تفسير الخازن : ١ / ٣٩٦.