وقال الشافعي في اختلاف الحديث (١) : وما روت عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أشبه أن يكون محفوظاً عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بدلالة الكتاب ثمّ السنّة. فإن قيل : فأين دلالة الكتاب؟ قيل : في قوله عزّ وجلّ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى) (٢). وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٣). وقوله : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) (٤).
وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبي مليكة ، وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظاً ، فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي : «إنّهم ليبكون عليها وإنّها لتعذّب في قبرها». فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير لأنّها تعذّب بالكفر وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه ، وإن كان الحديث كما رواه ابن أبي مليكة فهو صحيح لأنّ على الكافر عذاباً أعلى ، فإن عذّب بدونه فزيد في عذابه فبما استوجب ، وما ينل من كافر من عذابٍ أدنى من أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه لا بذنب غيره في بكائه عليه.
فإن قيل : يزيده عذاباً ببكاء أهله عليه. قيل : يزيده بما استوجب بعمله ويكون بكاؤهم سبباً لا أنّه يعذّب ببكائهم.
فإن قيل : أين دلالة السنّة؟ قيل : قال رسول الله لرجل : «ابنك هذا؟» قال : نعم. قال : «أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه». فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أنّ جناية كلّ امرئ عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه.
ويكذّب الخليفة بكاؤه على النعمان بن مقرن لمّا جاءه نعيه ، فخرج ونعاه إلى
__________________
(١) طبع في هامش كتابه الأُمّ : ٧ / ٢٦٧ [ص ٥٣٧]. (المؤلف)
(٢) النجم : ٣٩.
(٣) الزلزلة : ٧ ـ ٨.
(٤) طه : ١٥.