التفرق عن دين الله الذي أمروا جميعا بلزومه والاجتماع عليه وروى نحو ذلك عن عبد الله وقتادة وقال الحسن ولا تفرقوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد يحتج به فريقان من الناس أحدهما نفاة القياس والاجتهاد في أحكام الحوادث مثل النظام وأمثاله من الرافضة والآخر من يقول بالقياس والاجتهاد يقول مع ذلك أن الحق واحد من أقاويل المختلفين في مسائل الاجتهاد ويخطئ من لم يصب الحق عنده لقوله تعالى (وَلا تَفَرَّقُوا) فغير جائز أن يكون التفرق والاختلاف دينا لله تعالى مع نهى الله تعالى عنه وليس هذا عندنا كما قالوا لأن أحكام الشرع في الأصل على أنحاء منها ما لا يجوز الخلاف فيه وهو الذي دلت العقول على حظره في كل حال أو على إيجابه في كل حال فأما ما جاز أن يكون تارة واجبا وتارة محظورا وتارة مباحا فإن الاختلاف في ذلك سائغ يجوز ورود العبادة به كاختلاف حكم الطاهر والحائض في الصوم والصلاة واختلاف حكم المقيم والمسافر في القصر والإتمام وما جرى مجرى ذلك فمن حيث جاز ورود النص باختلاف أحكام الناس فيه فيكون بعضهم متعبدا بخلاف ما تعبد به الآخر لم يمتنع تسويغ الاجتهاد فيما يؤدى إلى الخلاف الذي يجوز ورود النص بمثله ولو كان جميع الاختلاف مذموما لوجب أن لا يجوز ورود الاختلاف في أحكام الشرع من طريق النص والتوقيف فما جاز مثله في النص جاز في الاجتهاد قد يختلف المجتهدان في نفقات الزوجات وقيم المختلفات وأروش كثير من الجنايات فلا يلحق واحدا منهما لوم ولا تعنيف وهذا حكم مسائل الاجتهاد ولو كان هذا الضرب من الاختلاف مذموما لكان للصحابة في ذلك الحظ الأوفر ولما وجدناهم مختلفين في أحكام الحوادث وهم مع ذلك متواصلون يسوغ كل واحد منهم لصاحبه مخالفته من غير لوم ولا تعنيف فقد حصل منهم الاتفاق على تسويغ هذا الضرب من الاختلاف وقد حكم الله تعالى بصحة إجماعهم وثبوت حجته في مواضع كثيرة من كتابه وروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال اختلاف أمتى رحمة وقال لا تجتمع أمتى على ضلال فثبت بذلك أن الله تعالى لم ينهنا بقوله (وَلا تَفَرَّقُوا) عن هذا الضرب من الاختلاف وأن النهى منصرف إلى أحد وجهين إما في النصوص أو فيما قد أقيم عليه دليل عقلي أو سمعي لا يحتمل إلا معنى واحدا وفي فحوى الآية ما يدل على أن المراد هو الاختلاف والتفرق في أصول الدين لا في فروعه وما يجوز ورود العبارة بالاختلاف فيه وهو قوله تعالى (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ