فأباحه لهما وأباح للأب الاسترضاع بعد ذلك كما أباح لهما الفصال إذا كان فيه صلاح الصبى ودل ما وصفنا على أن ذكر الحولين إنما هو توقيت لما يلزم الأب في الحكم من نفقة الرضاع ويجبره الحاكم عليه والله أعلم.
ذكر اختلاف الفقهاء في وقت الرضاع
قال أبو بكر قد كان بين السلف اختلاف في رضاعة الكبير فروى عن عائشة أنها كانت ترى رضاع الكبير موجبا للتحريم كرضاع الصغير وكانت تروى في ذلك حديث سالم مولى أبى حذيفة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لسهلة بنت سهيل وهي امرأة أبى حذيفة أرضعيه خمس رضعات ثم يدخل عليك وكانت عائشة إذا أرادت أن يدخل عليها رجل أمرت أختها أم كلثوم أن ترضعه خمس رضعات ثم يدخل عليها بعد ذلك وأبى سائر نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك وقلن لعل هذه كانت رخصة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسالم وحده وقد روى أن سهلة بنت سهيل قالت يا رسول الله إنى أرى في وجه أبى حذيفة من دخول سالم على فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم أرضعيه يذهب ما في وجه أبى حذيفة فيحتمل أن يكون ذلك خاصا لسالم كما تأوله سائر نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم كما خص أبا زياد ابن دينار بالجذعة في الأضحية وأخبر أنها لا تجزى عن أحد بعده وقد روت عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يدل على أن رضاع الكبير لا يحرم وهو ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها رجل فقالت يا رسول الله إنه أخى من الرضاعة فقال صلّى الله عليه وسلّم انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة فهذا يوجب أن يكون حكم الرضاع مقصورا على حال الصغير وهي الحال التي يسد اللبن فيها جوعته ويكتفى في غذائه وقد روى عن أبى موسى أنه كان يرى رضاع الكبير وروى عنه ما يدل على رجوعه وهو ما روى أبو حصين عن أبى عطية قال قدم رجل بامرأته من المدينة فوضعت فتورم ثديها فجعل يمجه ويصبه فدخل في بطنه جرعة منه فسأل أبا موسى فقال بانت منك فأتى ابن مسعود فأخبره ففصل فأقبل بالأعرابى إلى الأشعرى فقال أرضيعا ترى هذا الأشمط إنما يحرم من الرضاع ما ينبت اللحم والعظم فقال الأشعرى لا تسألونى عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم وهذا يدل على أنه رجع عن قوله الأول إلى قول ابن مسعود
«٨ ـ أحكام في»