بظاهر الكِتاب أنهم سَجَدوا ليُوسُفَ ، دَلَّ عليه رُؤياهُ التي رآها حِين قال : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤]. فظاهِرُ التلاوةِ أنَّهم سَجدُوا ليوسُفَ تعظيماً له مِنْ غير أنْ أشْرَكُوا بالله شيئاً ، وكأنَّهُمْ لم يَكونوا نُهُوا عن السجودِ لغير الله في شريعتهم.
فَأمَّا أمة محمدٍ صلىاللهعليهوسلم ، فقد نهَاهُمُ الله عن السُّجودِ لغيرِ الله جلّ وعزّ.
وفيه وَجْهٌ آخرُ لأهلِ العَربيَّةِ ، وهو أن تُجعَلَ اللامُ في قوله : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً).
وفي قوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] لَامَ من أَجْل المعنى : وَخَرُّوا من أَجْلِه سُجَّدا لله تَشَكُّراً لِمَا أنْعَمَ الله عليهم بيوسفَ عليهالسلامُ ، وهذا كقولِكَ : فَعلْتُ ذلك لِعُيون الناس أَي مِن أَجْلِ عُيونهم.
وقال العجَّاجُ :
تَسْمَعُ لِلْجَرْعِ إذا اسْتُحِيرَا |
لِلْمَاءِ في أجْوَافِها خَرِيرَا |
من أجْل الجَرْعِ ، والله أعلم.
وقال الليث : السَّاجِدُ في لُغةِ طَيِّئٍ : المُنْتَصِبُ.
قلت : ولا أحفظه لغيره.
حدثنا الحسين ، عثمان بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله جل وعز : (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) قال : باب ضيق (١) ، وقال : (سُجَّداً) أي ركَّعاً.
وفي نوادر أبي عمرو : الساجد في لغة طيئ المنتصب.
وروى ابنُ هانئ لأبي عبيدةَ أنه قال : عَيْنٌ ساجدةٌ إذا كانت فاترةً ، ونَخْلَةٌ ساجدةٌ إذا أَمالها حِمْلُها.
قال لبيد : غُلبٌ سَواجِدُ لمْ يَدْخُلْ بها الحَصَرُ وكل مَن ذَلَّ وخضَعَ لمِا أُمِرَ به فقد سَجَدَ.
ومنه قول الله (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) [النحل : ٤٨] أي خُضَّعاً متسخِّرة لما سُخِّرتْ له.
وسجود المَوَاتِ كلُّه في القرآن : طاعتُه لِمَا سُخِّرَ لَهُ.
ومنه قول الله جل وعز : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ـ إلى قوله ـ (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) [الحج : ١٨] وليس سُجُودُ المَوَاتِ لله بأَعْجَبَ مِنْ هُبُوطِ الحِجَارَةِ من خَشْيَةِ الله ، وعلينَا التَّسْلِيمُ لله ، والإيمانُ بمَا أنْزَلَ منْ غَيْرِ تَطَلُّبِ
__________________
(١) زيادة من «اللسان» (سجد) ، وانظر : «تفسير الطبري» (١ / ٢٣٨).