ونقرأ عند النحاة : (زيد وإن كثر ماله فهو بخيل ، فهى زائدة على التحقيق لمجرد الوصل ، والواو للحال ، أى : زيد بخيل والحال أنه كثر ماله ، وقيل : شرطية حذف جوابها للدلالة عليه ببخيل ، والواو للعطف على مقدر ، أى : إن لم يكثر ماله وإن كثر فهو بخيل ، ولكن ليس المراد بالشرط فيه حقيقة
التعلق ، إذ لا يعلق على الشرط ونقيضه معا ، بل التعميم ، أى : أنه بخيل على كل حال) (١).
ونظرة فيما سبق نجد أنه : ـ لا يراد بالتركيب الواقع بعد المبتدإ شرط ؛ لأنه ليس فيه تعليق شىء على شىء ، ولا يتراتب البخل على كثرة المال ، ولا الزيارة على المخاصمة ، كما أن تعليق معنى الجملتين ليس معقولا معنويا.
ـ معنى الإخبار عن المبتدإ كامن فى ما ظاهره جملة جواب الشرط.
لا يجوز أن نجعل جملة الجواب خبرا عن المبتدإ ، وذلك لصحة بنيتها لفظيا فى التركيب الشرطى ، وعدم توافر هذه الصحة مع الإخبار ، فقد تقترن بالفاء فى موضع ليس محتملا لها.
فلا يجوز القول : زيد فبخيل ، أو : صديقى فسأزوره.
ـ لا يقصد ـ معنويا ـ أن تكون جملة الشرط حالا ؛ لأنه ليس المقصود أن يعبر عن بخل زيد فى حال كثرة ماله ، أو عن زيارتى لصديقى فى حال مخاصمته لى.
ـ المقصود المعنوى من الجملة التعبير عن بخل زيد فى كل حال ، وزيارة الصديق فى كل حال.
ـ من مجموع الملحوظات السابقة نستطيع أن نستنتج أن المعنى الملائم للواو فى مثل هذا الموضع هو معنى الإحاطة والتأكيد ، حيث يؤكد المتحدث ما فيه معنى الخبر ، وهو جملة جواب الشرط ، بذكر ما يحتمل عدم حدوثه ، وهو المعنى الكامن فى جملة الشرط ، وكى لا يتوهم فى هذا المعنى أنه عارض بالحالية فقط فيؤتى بالواو لتدلل على أن هذا المعنى في كل حال ، الحال المذكورة ، والحال المناقضة.
ولذلك فإننى أرى أن هذه الواو تعطى معنى الإحاطة والتوكيد ، الإحاطة من توهم
__________________
(١) شرح التصريح ٢ ـ ١٠٨.