إحداهما : مخطوطة المدينة : وهذه وإن بدت سليمة في أجزائها الأولى فقد غدت سقيمة في أجزائها الأخيرة ، لا سيما هذا الجزء الخامس عشر.
ولقد كفانا الناسخ لهذه المخطوطة مؤونة الاستقصاء ، وذلك حين يقول في كلمته التي ختم بها عمله ، «وكتب ياقوت منه ـ يعني «التهذيب» ـ خمس عشرة مجلدة من خط مصنف الكتاب أبي منصور جزاه الله خيرا ، ثم أحيل بينه وبين الباقي فأتمه من نسخ قد قرأت على المصنف أو قوبلت بأصله».
ومن هذه نعرف كيف استوت الأجزاء الأولى واضطربت الأجزاء الأخيرة اضطرابا لقي منه ياقوت عنتا ، ولقي منه الناسخ لها هو الآخر عنتا ثانيا ، فانضم هذا إلى ذاك ، فإذا هذا الجزء لا يكاد يستقيم منه إلا القليل.
وثانيتهما : مخطوطة دار الكتب
وهذه قد انضم إلى ما فيها من تلفيق ، امحاء لكثير من صفحات وكثير من عبارات وكلمات ، فإذا الباقي الذي يقرأ منها قلّ من كثر.
لهذا كان لا بد من لقاء لكل ما نقل عن الأزهري في كتب اللغة لا سيما «لسان العرب» لابن منظور ، ليعارض نص بنص. وما يتفق عرض ابن منظور وعرض الأزهري فتهون المعارضة ، ولكن المساقين يختلفان ، وليس كل ما نقل ابن منظور عن الأزهري بسليم فيزول الشك وتحل الثقة ، فكان لي مع كل نص وقفة لا أتركها إلى غيره إلا بعد الاطمئنان إلى سلامته ...
بهذا ألزمت نفسي وجعلت النص يقيم النص ، لا ألقي بالا لزلات الناسخ ، بعد أن تبينت فساد قلمه وفساد علمه ، ولم يكن من المقبول أن أضيف من جهل الناسخين إلى اللغة ، ولو كان هذا رأيا من تلك الآراء التي تتسع لها النصوص التي تحتمل الرأي لقبلته ، ولكنه لغة دونت وانضبطت ، ولم تعد تحتمل المزيد على قديمها المرسوم بما يشكك فيه أو ينقض منه.
وغاية ما أحببت أن قوله ، كيلا يلتبس القول : إني لم ألتفت إلى عبث الناسخ فأثقل الهوامش به ، ولكني لم أهمل جده ، ولم أنفض يدي من هذا الجزء إلا بعد أن وفيته حقه من معارضات كثيرة أقامته على الطريق السوي ، ورددته إلى أصله الذي تركه عليه الأزهري فيما أرجو.
والله أسأل أن أكون قد وفقت فيما أردت) اه.