وجاء عن هذه الحادثة في (تبصره عبرت) :
«إن هؤلاء عاثوا بالأمن في المواطن المسماة بـ (الجزيرة) المعروفة بـ (بين النهرين) في المواطن بين حلب وأورفة وديار بكر والموصل ، وخربوها ، فصارت ميدان نهب وسلب يتجولون فيها كما شاؤوا .. ورئيسهم آنئذ الشيخ عبد الكريم ، فهو شيخ مشايخهم ، وقد اعتمد على قوة عشائره وشجاعتها وكثرتها كما أنه كان قد اكتسب وجها من الحكومة ، فأغمضت العين عنه إلا أنه طمع .. فكان يحمل آراء غريبة وانصرفت آماله إلى أن يكون حاكم تلك الأصقاع ..
اتخذ واقعة الدغارة فرصة ، فجاء إلى ما يقرب من بغداد بجيش عظيم من الخيالة ، وصادف أن قد تمت الغائلة ، فرجع .. وفي هذه المرة رأى واقعة الأحساء ، ووجد أن قد خلت البلاد من الجيش ، فنهض بجيش كبير متكون من عشائره بين خيالة ومراديف ، ويبلغون أكثر من ثلاثين ألفا ، فأول ما عمله أن هاجم القرى في أورفة وسيورك وماردين والموصل ، فانتهبها وخربها ، وقتل فيها الكثير من النفوس ثم هاجم بغداد بهجوم قاس من حيث لا يأمل الوزير ..
وهذا الحادث شغله ، وصده عما كان ينويه من الأعمال نوعا ، فاقتضى أن ينصرف له ، ويهتم به ، ولم يكن يدور في الحسبان وقوعه .. مما دعا الوزير أن يأخذ له عدته .. وكان الشيخ عبد الكريم في أنحاء ديار بكر ، وواليها آنئذ (قورت إسماعيل باشا) وهذا بدوره أراد أن يعقبه حتى الموصل ، فتهيأ للحركة ضده ، فكتب مدحت باشا برقية أن يلتحق بالمشار إليه فوجان من الجيش وتكون تحت قيادته .. ومن بغداد أيضا قد أعد ما يلزم من جيش تحت قيادة الفريق أشرف باشا فجهزه الوزير ، وسارت الجيوش على طول دجلة والفرات ، وطريق شهرزور ، واتخذت التدابير المقتضية ، وسارع الوزير للحادث ، وأعاره من الاهتمام ما يقتضي ..