بمقتضى ما ينبغي أن يماثله .. فلا يتيسر لها الترقي ولا يحصل الانتباه ، وتتأخر تلك الجماعة .. ويصح أن يمثل لذلك بوسائط النقل المائية كانت في حالة بسيطة حتى اخترعت السفن ذوات الشراع ، ثم تقدمت إلى الوسائل البخارية ، وهكذا .. ومثلها وسائط المخابرة .. فمن لم ينل حظا من التقدم في الإدارة ، ولم يسع للحصول على أقصى حد ممكن من الرقي بقي في مكانه ، وحرم من نعمة الرقي والثروة ، وصار يتبع في طرق المعيشة غير ما يلائم زمانه ، ويكون قد رضى بالدون ، وأصر على جموده ، أو قبل أن يرجح ما هو الأدنى على الذي هو خير.
وهنا الأراضي تقبل كل نوع من العمارة ، والأهلون لائقون لكل تعليم ، وفطرتهم معلومة واستعدادهم مشهود ، فيستطيعون أكثر من غيرهم التقدم ، لينالوا حظا من الثروة والحضارة .. ولكن الخراب المستولي ، وعدم النشاط ناجم من تقصير الأهلين ، فلم يسلكوا ما سلكته الأمم ، وإنما ترك كل امرىء وشأنه ، وصارت الأمة لا تأبه بما أخذت به الأمم .. وإلا فحضارة القطر الماضية ، وصناعته القديمة لا تزال آثارها مشهودة (وأطنب الوالي في ذلك كثيرا) ، ثم قال : ولا منجاة من هذه الورطة إلا بالانقياد للمتبوع الأعظم ، ومن قدمه من أصحاب المناصب بأن أطاعوا ، ويسلم إليهم بما أرادوا ، وهو قد حافظ على حقوق الأهلين عموما ، وراعى استراحتهم ، والعدل فيما بينهم ، وأرسل الولاة لهذا الغرض ، فلا يتطلب أكثر من التسليم لهم والانقياد بالطاعة ، ليتمكنوا من السعي والحصول على المبتغى.
جاء ولاة كثيرون. قاموا بالمهمة ، وبذلوا جهودا ، وعملوا على ما تمكنوا عليه ، خصوصا رشيد باشا (الگوزلگلي) ، فإنه بدأ بالعمارة ، ومشى في طريقها الصحيح ، وخلف الكثير من الآثار .. ولكن قرب أجله لم يهيىء له آماله .. ثم إن حضرة نامق باشا سلك هذا الطريق واستمر فيه فحصل على نتائج حسنة ، وهكذا نحن سائرون في هذا الطريق ،