الحمد لله الذي كفانا المؤن بغير مؤونة (كُلّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ) (١). قالت ديا حاضنة يزيد : دنوت من رأس الإمام الحسين (عليه السّلام) حين شمّ يزيد منه رائحة لم تعجبه ، فإذا تفوح منه رائحة من روح الجنّة كالمسك الأذفر (٢) ، بل أطيب ، والذي ذهب بنفسه وهو قادر أن يغفر لي لقد رأيت يزيد وهو يقرع ثناياه بقضيب في يده ، ويقول : ليت أشياخي ببدر شهدوا. قال الشبراوي : وأصل هذه الأبيات لابن الزبعرى كما في الصواعق ، وزاد يزيد فيها بيتين مشتملتين على الكفر. أقول : لقد أبدى يزيد في ذلك اليوم الشماتة برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأظهر حقده الذي كان قد أوغر صدره على النبي وأبنائه ، واشتفى غليله بقتل سبطه وريحانته ، وأخذ ثارات عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه والوليد بن عتبة ؛ إذ قتلهم علي (عليه السّلام) في واقعة بدر ، ألا تراه كيف راح يتمثّل بشعر المشرك ابن الزبعرى الذي كان ممّن هجا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ويذكر قتلاه ببدر إذ قال :
يا غرابَ البَينِ أَسمَعتَ فَقُل |
|
إِنَّما تَنطِقُ شَيئاً قَد فُعِلْ |
إِنَّ لِلخَيرِ وَلِلشَّرِّ مَدىً |
|
وَكِلا ذَلِكَ وَجهٌ وَقبلْ |
وَالعَطياتُ خِساسٌ بَينَهُم |
|
وَسَواءٌ قَبرُ مُثرٍ وَمُقِلْ |
كُلُّ عَيشٍ وَنَعيمٍ زائِلٌ |
|
وَبَناتُ الدَهرِ يَلعَبنَ بِكُلْ (٣) |
أَبلِغا حسّانَ عَنّى آيَةً |
|
فَقَريضُ الشِعرِ يِشفى ذا الغُلَلْ (٤) |
كَم تَرى بِالجَرِّ مِن جُمجُمَةٍ |
|
وَأَكُفٍّ قَد أُتِرّت وَرِجِلْ (٥) |
وسرابيلٌ حسانٌ سربت |
|
من كماةٍ أهلكوا في المنتزلْ (٦) |
__________________
(١) سورة المائدة ص ٦٤.
(٢) الأذفر : صفة للمسك ـ أي الشديد الرائحة.
(٣) بنات الدهر : حوادثه.
(٤) هو حسان بن ثابت شاعر النبي (صلّى الله عليه وآله). والآية : العلامة. والغلل : جمع غلّة ، وهي الحرارة والعطش.
(٥) الجر : أصل الجبل.
(٦) السرابيل : يريد هنا الدروع. وسربت : أي جردت. والمنتزل : موضع الحرب.