والنار والكلاء». ولم يذكر التاريخ أحداً منع الماء من أبناء جنسه إلاّ أهل الشام في واقعة صفين ، وأهل الكوفة يوم الطفّ. فأهل الشام منعوا أهل العراق الماء بأمر من معاوية ، ولكن فرسان أهل العراق ساموه الفشل وأصحابه الزعانف فكشفوهم عن الفرات. قال نصر بن مزاحم (١) : عندما غلب معاوية على الماء وحال بين أهل العراق وبينه ، وأقبل علي (عليه السّلام) حتّى إذا أراد المعسكر إذا القوم قد حالوا بينه وبين الماء. قال : وذهب شباب من الناس وغلمانهم يستقون فمنعهم أهل الشام. قال : ففزعنا إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأخبرناه بذلك ، فدعا (صعصعة بن صوحان) فقال : «ائتِ معاوية فقل : إنّا سرنا مسيرنا هذا وأنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنّك قد قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكفّ حتّى ندعوك ونحتجّ عليك. وهذه اُخرى قد فعلتموها حتّى حلتم بين الناس وبين الماء ، فخلِّ بينهم وبينه حتّى ننظر فيما بيننا وبينكم ، وفيما قدمنا له وقدمتم ، وإن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له ، وندع الناس يقتتلون على الماء حتّى يكون الغالب هو الشارب فعلنا». فقال معاوية لأصحابه : ما ترون؟ قال الوليد بن عقبة : امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان ؛ حصروه أربعين يوماً يمنعونه برد الماء ولين الطعام ، اقتلهم عطشاً قتلهم الله (٢). قال عمرو : خلِّ بين القوم وبين الماء ، لن يعطشوا وأنت ريّان ، ولكن لغير الماء فيما بينك وبينهم. فأعاد الوليد مقالته ، وقال عبد الله بن أبي سرح ، وهو أخو عثمان من الرضاعة : امنعهم الماء ، منعهم الله يوم القيامة. فقال صعصعة بن صوحان : إنّما يمنع الله يوم القيامة الفجرة ، شربة الخمر ، ضرْبَك وضرْب هذا الفاسق ـ يعني الوليد ـ. فتواثبوا يشتمونه ويتهدّدونه ، فقال معاوية : كفّوا عن الرجل ؛ فإنّه رسول. قال : وبقي أصحاب علي يوماً وليلة ـ يوم الفرات ـ بلا ماء. هذا وخاطب رجل من السكون من أهل الشام يُقال له : سليل بن عمرو ، معاوية قائلاً :
__________________
(١) انظر نصر بن مزاحم المنقري ـ وقعة صفين ـ ج ٣ ص ١٧٥ ، طبع مصر.
(٢) كذب اللعين ؛ فإنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمر ولديه حسن وحسين بحمل الماء والطعام يوم حاصره المسلمون ، وهذا شيء لا ينكر ذكره أرباب التاريخ.